TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ريمبرانت يعود الى البيت

ريمبرانت يعود الى البيت

نشر في: 2 أكتوبر, 2015: 09:01 م

أكثر من أسبوعين قضاهما وفد رفيع المستوى يمثل الثقافة والفن الهولنديين في التفاوض لجلب اثنين من أجمل اللوحات الكلاسيكية الى هولندا. وقد تعاملوا مع هذا الأمر بحذر شديد وسرّية كبيرة وكأن المسألة تهم سمعة ووجود هولندا. والأمر كذلك بالتأكيد حين نعرف أن المسألة تتعلق بأعمال ريمبرانت الذي يعتبر واحداً من أهم رموز هولندا الثقافية والتاريخية. لقد اجتمعت الحكومة الهولندية والبرلمان مع ممثلين من رايكس ميوزيام في امستردام ليقرروا بعد ذلك أن يكون بحوزتهم مبلغ مناسب من المال كي يستطيعوا إعادة أعمال الأستاذ الى العاصمة. وهكذا وضعوا على طاولة المفاوضات 160 مليون يورو ليحصلوا على عقد ووثائق امتلاك لوحتين من عائلة روتشيلد (بفرعها الفرنسي) والتي تعتبر واحدة من أغنى العوائل في العالم، لتعود هاتان اللوحتان وتعلقان في متحف رايكس ميوزيام، فقد رسم فيهما ريمبرانت بورتريتين منفصلين لكنهما يعرضان سوية وكأنهما لوحة واحدة، عملان رائعان يظهر فيهما بهيئة كاملة الزوجين الشابين مارتن سولمانس وأوبين كوبيت وهما واقفان في يوم زواجهما سنة 1634.
تطل المرأة الشابة بشعرها الأحمر وثوبها الطويل وسط العتمة، حيث يظهر جزء من حذائها تحت حافة الفستان، وقبعتها في الأعلى تتلاشى مع ظلام المكان لتمنح اللوحة بعض الغموض، بينما يدها ممتدة الى الأمام وهي تمسك بسلسة ذهبية تتدلى من حزامها المصنوع بعناية فائقة. تنظر لنا بوجهها البيضوي الجميل الذي يشع وسط ياقة بيضاء مزخرفة لا يكسر صفوها شيء سوى تلك القلادة الرفيعة التي تتدلى فوقها بنعومة لتعبر عن ترف تلك الأيام الخالدة. وفي اللوحة التي بجانبها يظهر زوجها الشاب مارتن وهو ينظر بوجهه نحو الرسام بينما يميل جسده باتجاه حبيبته الشابة. يقف واثقاً مسترخياً لا يكترث لشيء ولا يفكر سوى بأيامه الجميلة القادمة وهو يثني يده اليمنى ويضع قبضتها على خصره، بينما يمدُّ يده اليسرى الى الجانب باتجاه الزوجة، وهو يمسك بقفازة الجلدي الذي يتدلى بترف وسط العتمة ليوحي مع تقدم ساقه اليمنى على حركة وشيكة، هذه الحركة التي توازنها في الأعلى ياقته الكبيرة الواسعة التي تغطي كامل كتفية وجزء من صدره.
ارتفاع اللوحة الواحدة من هذا البورتريت الثنائي هو 210 سم وعرضها 135 سم وهي بهذا تعتبر أكبر بورتريتين رسمهما ريمبرانت طوال حياته، وقد أطلق نقاد الفن والمختصون بأعمال الفنان العبقري على هذا البورتريت الثنائي المدهش والساحر اسم (أخ وأخت الحراس الليليين)، و(الحراس الليليون) هي أعظم لوحات ريمبرات، ويعتبرها الكثيرون أهم عمل كلاسيكي على وجه المعمورة. لقد أطلقوا عليهما هذا الاسم لأهمية اللوحتين وكذلك لأن الزوجين بوقوفهما هنا بهذه الطريقة وهذه الهيئة الكاملة يشبهان الى حد بعيد وقفة الكابتن كوك والجنرال الذي بجانبه في لوحة الحراس الليليين.
يعتبر شراء هذه اللوحة أكبر صفقة يقوم بها رايكس ميوزيام للحصول على عمل فني بعد أن اقتنى في السنة الماضية نحتاً برونزياً للفنان أدريان دي فريس بمبلغ 22 مليون يورو. إذن هاهو ريمبرانت يعود مجدداً الى البيت وها هي قماشتاه الفريدتان تسحبان خطاهما باتجاه أمستردام بعد 400 سنة تقريباً لتستقر في أهم متحف هولندي.
هناك مثل هولندي شائع يقول (إن شرَّقت أو غرَّبت فالبيت هو الأفضل) وهذا ينطبق على فناننا العظيم الذي يعود لنا ويحكي خطوات إبداعه التي تخطت الحدود، خطواته التي تحط رحالها بعد قرون من جديد في بيت العائلة.
ترى هل تنبأ ريمبرانت بذلك قبل هذا الوقت؟ وهل شعر بعودته الى الدار مهما طال الزمن؟ هل نبَّهنا الى ذلك من خلال لوحته الخالدة الأخرى (عودة الأبن الضال)؟ في سحر الفن وعظمته وقوة تأثيره كل شيء جائز.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: ماذا يريد سعد المدرس؟

العمودالثامن: الخوف على الكرسي

العمودالثامن: لماذا يطاردون رحيم أبو رغيف

العمودالثامن: قضاء .. وقدر

لماذا دعمت واشنطن انقلابات فاشية ضد مصدق وعبد الكريم قاسم؟

العمودالثامن: أين لائحة المحتوى الهابط؟

 علي حسين لم يتردد الشيخ أو يتلعثم وهو يقول بصوت عال وواضح " تعرفون أن معظم اللواتي شاركن في تظاهرات تشرين فاسدات " ثم نظر إلى الكاميرا وتوهم أن هناك جمهوراً يجلس أمامه...
علي حسين

كلاكيت: رحل ايرل جونز وبقي صوته!

 علاء المفرجي الجميع يتذكره باستحضار صوته الجهير المميز، الذي أضفى من خلاله القوة على جميع أدواره، وأستخدمه بشكل مبدع لـ "دارث فيدر" في فيلم "حرب النجوم"، و "موفاسا" في فيلم "الأسد الملك"، مثلما...
علاء المفرجي

الواردات غير النفطية… درعنا الستراتيجي

ثامر الهيمص نضع ايدينا على قلوبنا يوميا خوف يصل لحد الهلع، نتيجة مراقبتنا الدؤوبة لبورصة النفط، التي لا يحددها عرض وطلب اعتيادي، ولذلك ومن خلال اوبك بلص نستلم اشعارات السعر للبرميل والكمية المعدة للتصدير....
ثامر الهيمص

بالنُّفوذ.. تغدو قُلامَةُ الظِّفْر عنقاءَ!

رشيد الخيون يعيش أبناء الرّافدين، اللذان بدأ العد التّنازلي لجفافهما، عصرٍاً حالكاً، الجفاف ليس مِن الماء، إنما مِن كلِّ ما تعلق بنعمة الماء، ولهذه النعمة قيل في أهل العِراق: "هم أهل العقول الصّحيحة والشّهوات...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram