قرىً وقصباتٍ كثيرة تمتد على الطريق بين البصرة ومدينة الفاو، نعم هي في أسوا أحوالها اليوم بعد أن أتت الحروب والمياه المالحة وسوء الادارة على معالمها التي كانت أجمل وأكثر نفعاً وأمناً قبل ذلك، لكن الحال على ما هي عليه اليوم وقد عاد بعض السكان إلى مواطن سكناهم وبساتينهم، زرعوا الاشجار وشقوا القنوات وصاروا - على استحالة العيش- جزءاً يائساً من الأمكنة، في محاولة لمسك الأرض وعلى أمل ضئيل بان تلتفت الحكومة لهم يوماً فتقول كلمة بحقهم، كأن تبني لهم الشاليهات والبلاجات وتدق الشماسي مثلاً.
ولأن البصرة مدينة تضيق بأهلها لتتسع على غيرهم من أصحاب النفوذ والمال الجديد، الذين تمتلأ صفحات جوازاتهم بأختام الدول التي يزورونها خارجين وعائدين سنتحدث عن السياحة الداخلية التي تتضح معالمها من خلال السفرات التي يقوم بها السكان المحليون، وبشكل شبه يومي الى هناك، إلى القرى المهجورة والأمكنة الخالية إلا من التذكر!
هناك على ضفاف شط العرب، حيث يستمتع هؤلاء المحرومون بصيد السمك في مواسم هجراته إلى المياه (العذبة) ترى، أما كان بالإمكان فعل شيء لهم، هكذا وليحلموا بساحل نظيف على الشط المهجور، كازينوهات واكشاك، اماكن للترفيه البريء يؤمّها الآلاف من هؤلاء الفارّين من ضيق منازلهم وقذارة شوارعهم، إلى سماوات الله ..ألا يوجد في المدينة مستثمر غيور على أبناء مدينته، ألا يمكن للحكومة التي لم تمتلك الحد الأدنى من المسؤولية بعد، التفكير بمشروع كهذا؟!
لكن، وكأنها تقرأ عمودنا هذا قبل كتابته فقد قامت لجنة السياحة والآثار في مجلس محافظة البصرة في دورته السابقة ببناء ضريح الصحابي زيــد بن صوحان بكلفة 6 مليارات دينار عراقي، والمَعْلمُ الجديد بمنارتيه العاليتين وقبته المزيّنة بالقاشان المغربي وسوره الكبير هذا، يلوح في الأفق لآخذي الطريق في منطقة تبعد عن البصرة بنحو الأربعين كم ، لكنني وطوال ترددي على الطريق لم أشاهد زائرا واحداً، لم اجد سيارة واحدة بقربه، لم أسمع من أسرة بصرية واحدة انها زارته . ترى، أهكذا يكون العمل يا حكومة البصرة؟ وكيف أجمع المجلس أمره على بناء الضريح، الذي لم يتأكد لباحث او مؤرخ حقيقة وجوده هنا! فيما تستجير آلاف الأسر البصرية بالشمس بما جلبوا معهم من حصران وبُسط وأفرشة، أو بما تنبته السباخ من أشجار الطرفة والحلفاء والعاقول والشموط؟ أهكذا يكون العمل أم ماذا؟ يا من بايعكم الشعب وأتمنكم على ماله وحياته ومستقبل أبنائه؟
في حديث جانبي مع عضو في مجلس المحافظة سألته عن القناة الإروائية التي أُنشئت لجلب الماء من منطقة كتيبان شمال البصرة لسكان مدينة الفاو بعد ترداد اللسان المحلي على شط العرب. سألته عن ما إذا كان بالإمكان تغذية محطات الاسالة في ابي الخصيب منها، حيث لا تبعد عنها سوى بضعة كيلومترات؟ فأجابني بأن القناة نفسها مشروع قابل للفشل، فقد ارتفعت نسبة الأملاح في المياه الواصلة فيها بشكل مفاجئ، والحكومة تنظر في مشاريع بديلة. قلت: يا ألله، لم يمض ِعلى افتتاحها شهران، فقال: بل لم تصل ماؤها إلى مدينة الفاو بعد. تركته حائراً مثلي يفكر في نتيجة ما نحن سائرين إليه، ومضيت إلى قرية السيبة أصطاد السمك، واستمتع بمنظر شط العرب الذي يضيق هناك، فتصبح مدينة آبدان (عبادان) الإيرانية أقرب لي من أبي الخصيب. وفي غفلة من يأسي نزلت الماء، غرفت منه، تذوقته .. فإذا هو حلو، عذب، سائغ . قلت يا ألله، لقد فتح الإيرانيون مصب نهر الكارون إذن باتجاه الشط. تُرى لماذا يغلقونه ويفتحونه بحسب مشيئتهم؟ ألا تربطنا معهم معاهدات ما، اتفاقية مشتركة، ثم اما كان بإمكان حكومتنا ان تتخذ موقفاً لصالح مواطنيها؟ كان صوتي قد ارتدَّ عليّ مثل رمح مالح، وهل لديك حكومة يا أخي؟!
شاليهات مقترحة في الفــاو
[post-views]
نشر في: 3 أكتوبر, 2015: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 2
مهند البياتي
لماذا لا تقوم في البصره حمله احتجاجات و اعتصامات مستمره تساندها ندوات علميه لحل مشكله المد الملحي، سوف لن تكون هنالك ايه اطلاقات مائيه اضافيه لدفع اللسان الملحي، لعدم وجود ماء كافي لذلك. الحل ببناء سد يقام على شط العرب جنوب ابو الخصيب و على الاراضي العراق
مهند البياتي
لماذا لا تقوم في البصره حمله احتجاجات و اعتصامات مستمره تساندها ندوات علميه لحل مشكله المد الملحي، سوف لن تكون هنالك ايه اطلاقات مائيه اضافيه لدفع اللسان الملحي، لعدم وجود ماء كافي لذلك. الحل ببناء سد يقام على شط العرب جنوب ابو الخصيب و على الاراضي العراق