كثيرا ما يتهم بعضهم الاسلام بانه دين شهوي، الشهوة هنا تنصرف بشكل رئيسي وجوهري الى الشهوة الجنسية على وجه الخصوص، ومن ناحيتي أركز وأقول بصراحة إن الإسلام دين شهوي، أو هو دين الشهوة با متياز، ولكن اي شهوة، وكيف، ومتى، واين، فكل هذه أسئلة يجب ان نعرف ال
كثيرا ما يتهم بعضهم الاسلام بانه دين شهوي، الشهوة هنا تنصرف بشكل رئيسي وجوهري الى الشهوة الجنسية على وجه الخصوص، ومن ناحيتي أركز وأقول بصراحة إن الإسلام دين شهوي، أو هو دين الشهوة با متياز، ولكن اي شهوة، وكيف، ومتى، واين، فكل هذه أسئلة يجب ان نعرف الجواب عليها كي نخرج بتصور واضح ومنصف عن هذا الدين الذي ظلمه أهله قبل غيرهم.
شهوة السؤال قضية مطروحة في الاسلام، شرعيتها، وسعتها، وعمقها، والقرآن الكريم حشد من الاسئلة، وفي كثير منها يترك الجواب للآخر، وفيما يجيب في بعض الاحيان عن بعض الاسئلة التي يطرحها ويثيرها، فإن جوابه على سنة الرأي والاقتراح والتصور، وكل ذلك يشفع بطرح الجواب المقابل والمضاد بكل حرية واطمئنان، وشهوة الارض متمكنة من مساحة كبيرة من القرآن الكريم، حب الارض، والارتباط بها، وحرثها، وزرعها، واستثمارها، وشهوة العلم مفتوحة على مصراعيها في العرف الاسلامي، حتى بلغت الجرأة بالعقل الاسلامي ان يتساءل عن حقيقة وكنه الذات الإلهية، وكان المثل الاعلى في طلب العلم يتمثل في قضيتين اساسيتين، الاولى معرفة ما هية الاشياء، والثاني مقدار ما ينعكس به العلم من فائدة ونعمة على البشر، كل البشر، وشهوة العمل مقوم مصيري في تقرير التصور الاسلامي عن الحياة، والآيات والاحاديث الاسلامية محتشدة بمثل هذا المقترب النبيل، حتى عد بعض المسشترقين ان الاسلام دين دنيوي نظرا لسعة الاثر الاسلامي الذي يحث ويمجد ويقيم العمل، ويكفي انه احد مقومات التفضيل بين البشر، وشهوة التواصل الاجتماعي احد اعمدة الهيكلية الاسلامية في بناء مجتمع متماسك، قوي، نشط، وقد توافرت الاحاديث والروايات عن اهمية التواصل بين الناس، مهما كان دينهم،ومهما كانت عقائدهم، وبالتالي، الاسلام دين مجتمع، او بالاحرى دين اجتماعي، من حيث توكيده المستمر والمقنن على توثيق الاواصر الاجتماعية وتقويتها واعادتها الى نصابها فيما تعرضت للاضطراب والتصدع والتآكل.
شهوة المال مسألة قرآنية، فالمال خير بحد ذاته، ولكن المشكلة في كيفية تحصيله وفي كيفية التعامل معه، وإلا هو خير كما يصفه القرآن (يحبون الخير حبا جمّا)، وقد خرجت المسيحية بانتصار ساحق عندما قرر لوثر ان المال خير، وان تحصيله وخزنه وتثميره خير، وما الرأسمالية سوى اثر من آثار هذه الدعوة كما يقول ماكس فيبر.
شهوة الجنس مقترب إسلامي ملحّ، الجنس بما ينطوي عليه من معاني الحب والوصال والاستمتاع والتلذذ الجسدي، ولو قرأنا التعليمات والافكار والتصورات والآداب الواردة في الاثر البنوي بل في الاثر الإسلامي بشكل عام عن الشهوة الجسدية على نحو الخصوص لتملكنا العجب، من حيث دقة الوصف، ودقة طرائق الاستمتاع، وعمق التجاذب اللذائذي المتبادل بين الجسدين الكونيين، وقد تحول هذا الخطاب في الايام الاخيرة الى مادة روائية وقصصية وبحثية طاغية لما يختزنه من سبر معمق لأسرار الجسد البشري، وخفايا الوصال الجسدي هذا، ولقد يسّر الدين الاسلامي سبل الزواج وامضى مجالات رحبة في تحقيقه على سنة الفعل والواقع، وعندما نقرأ عن الزواج بمعناه المعروف وزواج المتعة وزواج المسيار وزواج المعاطاة وغيرها من طرق تحقيق الزواج إنما نقرأعن محاولة واضحة لتيسير مهمة الزواج، بحيث تكون اقرب الى الاباحية منه الى التقييد والتحجيم والتعقيد كما نرى اليوم في المجتمعات الشرقية، فالزواج في هذا الدين مجاله رحب، وطرقه متعددة، وشروطه سهلة للغاية، وهدفه المتعة في درجة متقدمة من هيكلية الاهداف الاخرى المترتبة على الزواج، وهناك فقه يقول لا حدود للمتعة الجنسية بين الجسدين، شريطة الشرعية، وبالتالي، هناك اشبه بالاباحية ولكنها الاباحية المقننة، والعقد اللفظي لا يشترطه كثير من الفقهاء، لأنه مجرد مبرِز للحكم وليس هو الحكم في حقيقته، بل هو ليس من مراتب تأسيس الحكم، لانه مجرد مخرج للحكم من الإمضاء الفعلي الى الإعلام والبيان.
الشهوة الإيجابية هدف بل ركيزة في التشريع الاسلامي بشكل عام، الشهوة الايجابية وليس الشهوة السلبية، اقصد شهوة القتل، الاستغلال، الارهاب، الحرب الهجومية، التسلط الغاشم، هذه الشهوات محرمة في هذا الدين، وهناك حذر شديد لدى الفقهاء في التعامل مع قضايا حساسة تمس السلام الكوني والبشري، مثل قضايا الدم والعرض والمال، نظرا لأهميتها وكونها تمس الحقوق بشكل مباشر وبشكل غير مباشر.
عندما يقول نبي الرحمة (الانسان بنيان الله، ملعون من هدم بنيان الله) إنما يسنّ لنا هذا النبي قانونا كونيا، مؤداه الجوهري، أن الاصل في الحياة هي الحماية والصيانة والاستمرار وليس الهدم والذبح والقتل، وعندما لا يشترط هذا الدين اي شرط لتبادل اللذة بين الجسدين (شريطة الشرعية) على مصراعيه إنما يعني ان هذا الدين يجعل من هذا التلاقي ضرورة حياتية، بل ضرورة وجودية، وبالتالي، يشرع لشهوة إيجابية، شهوة منتجة، شهوة معطاءة.
لقد انحرف بعضهم في فهم هذا الدين، وحوّله من دين شهوة إيجابية الى دين شهوة سلبية، من دين يعشق شهوة البناء والعلم والانجاز الى دين يعشق شهوة الدم الحرام والمال الحرام والقتل والاستغلال والاستعلاء، فكان ما كان.
إن العقود الآتية من زمننا هذا سوف تشهد ثورة إسلامية فكرية تحرر الاسلام من أسر الارهابيين والقتلة والمتشددين، وظني ان الاسلام سوف يتحول الى مصدر من مصادر الحضارة الانسانية الجديدة في الزمن القريب وليس المتوسط، وربما يكون بذلك بجهود مستشرقيين ولاهوتيين غربيين قبل ان يكون بجهود اسلاميين!
إن إقبال اللاهوت الالماني على قراءة القرآ ن من اجل اكتشاف الطاقة الروحية في هذا الكتاب بداية موفقة، وسوف تتبعها محاولات أخرى على هذا الطريق الرحب.