اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > غير مصنف > المواطنة.. في تحليل للشخصيتين المصرية والعراقية

المواطنة.. في تحليل للشخصيتين المصرية والعراقية

نشر في: 5 أكتوبر, 2015: 12:01 ص

المتابع لأحداث العراق يخرج بحقيقة وإشكالية، الحقيقة هي: أن المصريين حققوا في سنة ما عجز عن تحقيقه العراقيون في عشر سنوات. والاشكالية هي: ان تاريخ العراق في الثورات ضد السلطة والانتفاضات الشعبية أغزر وأكثـر مقارنة بمثيله في مصر. فلماذا حصل ما يبدو عكس

المتابع لأحداث العراق يخرج بحقيقة وإشكالية، الحقيقة هي: أن المصريين حققوا في سنة ما عجز عن تحقيقه العراقيون في عشر سنوات. والاشكالية هي: ان تاريخ العراق في الثورات ضد السلطة والانتفاضات الشعبية أغزر وأكثـر مقارنة بمثيله في مصر.
فلماذا حصل ما يبدو عكس المنطق وعكس سياق التاريخ؟.. أعني ان المصريين اسقطوا في سنة حكومة اقوى حزب إسلامي في مصر والبلدان العربية، فيما العراقيون ما استطاعوا برغم ان حكوماتهم بعد التغيير ارتكبت افظع وافدح واقبح ما ارتكبته حكومة الإخوان في مصر؟

 

ما يعنينا هنا هو العوامل المتعلقة بتركيبة الشخصيتين المصرية والعراقية.. وبالصريح، ان الأحداث ولدت لدينا الشعور بأن المصريين يحبون مصر اكثر من حب العراقيين لوطنهم.. العراق.. وهذا يعود الى ان (المواطنة) متأصلة لدى المصري في حب (أم الدنيا) اكثر من تأصلها في حب العراقي لـ(بلاد ما بين النهرين).
المفهوم المبسط للمواطنة انها علاقة متبادلة بين سلطة الدولة (الحكومة) والمواطن بوصفه فردا في المجتمع،ترتّب على الطرفين حقوقا وواجبات تنظّم بدستورعلى مكان محدد بأرض اسمه وطن وضمن أفراد يسكنون هذا الوطن يسمى مجتمعا او شعبا،ويتم تطبيقها او ممارستها بآلية اصطلح على تسميتها بالديمقراطية تعتمد مبدأ العدالة الاجتماعية وضمان كرامة الانسان.
ويتداخل مفهوم المواطنة Citizenship بمفهوم الوطنية Patriotism، فالاخيرة تعني مشاعر الحب والعواطف التي يحملها المواطن نحو وطنه، يتصدرها شعوره بالانتماء الى وطن يعتز به. غير ان هذا الانتماء المصحوب بالاعتزاز مشروط بتأمين الوطن (النظام، الحكومة) الحقوق المدنية المتمثلة اهمها في: تأمين العيش الكريم للمواطن وحقه في الحياة وعدم إخضاعه للتعذيب او الحط من الكرامة، والاعتراف بحريته طالما لا تخالف القوانين ولا تتعارض مع حرية آخرين، وحقه في الأمان على شخصه وعدم اعتقاله تعسفياً،واحترام الملكية الخاصة، وحرية التنقل، والمساواة أمام القانون،وحرية الفكر والتعبير والوجدان.
إن قوة الشعور بالمواطنة لدى الشخصية المصرية وضعفه او انعدامه لدى الشخصية العراقية يعود لجملة اسباب نوجز اهمها بالآتي:
إن المصريين هم الذين اسقطوا نظام حسني مبارك، فيما اميركا هي التي اسقطت نظام صدام حسين، ولفت.. متقصدة.. وجه تمثاله بعلمها الوطني واسقطته في ساحة الفردوس. وشتان بين الحالين، فالأول يوحّد الشعور بحب الوطن ويعزز لدى اهله دافع التحدي لإسقاط اي حكومة تنفرد بالسلطة وامتيازاتها.. وهذا ما حصل للمصريين، فيما الثاني لا يستعيد الشعور بالانتماء للوطن لانهم يرون الحال كما الذي (استبدل كلبا أسودَ بكلب ابيض) بوصف العراقيين، وانه يخلق لديهم حالة الاستكانة والعجز عن تغيير حكومة تنفرد بالسلطة والثروة..وهذا ما حصل للعراقيين.وبالتحليل السيكولوجي فان الجماهير التي تنجح في اسقاط نظام حكم مستبد فاسد يتعزز لديها فعل التمرد وروح التحدي وتنجح في إسقاط نظام حكم يليه يفشل في تحقيق المطالب التي ثارت من اجلها.
يوحّد غالبية الشعب المصري مذهب اسلامي،فيما يتوزع العراقيون المسلمون بين مذهبين اسلاميين(طائفتين)، مارست الحكومات العراقية المتعاقبة انحيازا او اضطهادا طائفيا نجم عنه كراهية وعدوان ادى الى عنف شرس راح ضحيته آلاف الابرياء من الطائفتين بين 2006 و2008. ويعني هذا ان الحاكم الفاشل الذي يثور عليه نفس افراد طائفته لا يجد لفشله تبريرا طائفيا،فيما الحاكم في العراق يغذي الشعور الطائفي في افراد طائفته ويشيع الخوف فيهم بأنه اذا ازيح عن الحكم فانهم سينتهون، ولهذا فانهم يبررون اخطاءه ويغّطون على فشله ويقفون ضد من يطالب بإسقاط حكومته.. وكانت هذه الضربة الثانية التي اجهزت على المواطنة العراقية بعد الضربة الأولى التي تلقتها في حفرة صدام الذي ساوى بينه والعراق(صدام هو العراق).. بنهاية مخجلة مخزية.
يمتاز الجيش المصري بعلاقة ايجابية بشعبه ولم يقم بقمعه، فيما كان الجيش العراقي اداة بيد الحاكم، دفعه الى ارتكاب جرائم بشعة من بينها مجزرة حلبجة وقصف مدينة كربلاء والمقابر الجماعية. فضلا عن أن الجيش المصري يمتلك عقيدة عسكرية، فيما الجيش العراقي امتلك في زمن النظام السابق عقيدة حزبية ضيقة،وامتلك بعد حلّه في 2003 عقيدة طائفية. وفيما يمتلك الجيش المصري قيادات عسكرية محترفة مهنيا ولديها ولاء مطلق للوطن، فان الكثير من قيادات الجيش العراقي ليست محترفة وبينهم من منح رتبة عالية بطريقة ما يسمى (الدمج). ولقد نجم عن ذلك ان شعور المواطنة وحّد بين المواطن المصري وجيشه وعزز شعور الشعب والجيش بحب مصر، فيما انحياز الجيش العراقي لطائفة معينة اضعف الشعور بالولاء للوطن لدى المواطن العراقي، فضلا عن افتقاده القوة العسكرية التي تحميه.
إن السياسيين العراقيين محميون من قوة عالمية هي امريكا، ومحصنون امنيا وعسكريا بمنطقة مساحتها 10 كيلومترات مربعة، فضلا عن ان كل مسؤول كبير فيها لديه فوج عسكري يحميه، وبذلك فهم لن يشعروا بخطر يتهددهم من الشعب وان زادوا فسادا ولا مبالاة بتردي احوال الناس،فيما السياسييون المصريون وجهاً لوجه امام الشعب.. وهذا يعني سيكولوجياً ان الشخصية المصرية ما عادت تخشى حكومتها وان تنامي الشعور بالمواطنة لدى المصريين صار يخيفها،فيما شعرت الشخصية العراقية بالعجز من اصلاح الحال.. وان (الوطن انباع).. انعكس سلبيا على الشعور بالمواطنة.. وكان من نتيجتها موجة هجرة الشباب الى اوروبا.
ان المجتمع العراقي مؤلف من قوميات ومذاهب واديان متعددة. وانطلاقاً من حقيقة سيكولوجية هي ان الدولة اذا انهارت وافتقد الانسان الامان فانه يبحث عن جهة تحميه.. فان المواطن العراقي التجأ بعد سقوط الدولة وحل الجيش والاجهزة الأمنية الى قوة تحميه وجدها في العشيرة او الطائفة او القومية.. نجم عنها ان العراقيين توزعوا على هويات فرعية قاتلة، فيما المصريون ظلوا موحدين بهويتهم الوطنية المصرية.
والنتيجة؟
إن (المواطنة) التي افتقدناها كانت هي سبب فشل العراقيين في تظاهراتهم عام 2011، وان اكتشافهم الآن بأن تغليبهم لانتماءاتهم الفرعية لم تحقق لهم ما كانوا يتوقعونه.. اوصلهم الى حقيقة ان الحل يكون بإحياء الشعور بالمواطنة العراقية.. التي بدأت تنتعش في ساحات التحرير. ومع ذلك فالرهان عليها تكتنفه صعوبات، اخطرها ان الشخصية العراقية ما تزال تخشى السلطة، حيث تجري التصفية بكواتم الصوت لخصوم وناشطين سياسيين ومثقفين واكاديميين، فيما تراجع الخوف من السلطة عند الشخصية المصرية.
أخيراً
كان علينا منذ زمن ان ندرك بأن عقل الحاكم المنتمي لحزب اسلامي سياسي يكون مصابا بحول ادراكي.. يرى الصواب في حزبه فقط. دليل ذلك ان مرسي بوصفه رجل دين سياسي،وصف المتظاهرين بأنهم "فلول النظام السابق"، كذلك وصف "المالكي" المتظاهرين بأنهم "فقاعات".. وهو وصف اكثر استهزاءً وحطا ًللكرامة.. ما يوصلنا الى حكم مطلق هو.. فشل الحكم الديني في العصر الراهن، لاسيما في العراق المتعدد المذاهب والاديان والقوميات، وان السياسي الاسلامي يبقى متمسكا بحزبه حتى لو حصل على دعم وتأييد اكبر قوتين في العراق.. الشعب والمرجعية، وان الرهان ينبغي ان يكون على إحياء وإشاعة الشعور بالمواطنة.. وليس على الحاكم.

 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. ابو سجاد

    كل مااسلفت به يادكتور قاسم كان سليما وعلميا وواقعيا ولكن هناك فارق لااعرف لماذا لم تتطرق اليه ان للشعب المصري قيادات وطنية كبيرة ثقافية وسياسية ودينية وحتى فنية هي التي قادته ونزلت به الى الشوارع واعتصمت بينما العراقي ليومنا هذا يفتقر الى تلك القي

  2. ابو سجاد

    كل مااسلفت به يادكتور قاسم كان سليما وعلميا وواقعيا ولكن هناك فارق لااعرف لماذا لم تتطرق اليه ان للشعب المصري قيادات وطنية كبيرة ثقافية وسياسية ودينية وحتى فنية هي التي قادته ونزلت به الى الشوارع واعتصمت بينما العراقي ليومنا هذا يفتقر الى تلك القي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

موظفو التصنيع الحربي يتظاهرون للمطالبة بقطع أراض "معطلة" منذ 15 عاماً

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

كلوب بعيد عن تدريب المنتخب الأمريكي بسبب "شرط الإجازة"

"مشروع 2025".. طموح ترامب يتحول لسلاح بيد بايدن

مقالات ذات صلة

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و
غير مصنف

علي كريم: أنا الممثل الأقل أجرًا و"باب الحارة" لم تقدم حقيقة دمشق

متابعة / المدىأكد الفنان السوري علي كريم، بأن انتقاداته لأداء باسم ياخور ومحمد حداقي ومحمد الأحمد، في مسلسلي ضيعة ضايعة والخربة، لا تنال من مكانتهم الإبداعية.  وقال كريم خلال لقاء مع رابعة الزيات في...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram