لم تستطع أم إيهاب الانتظار أكثر وهي ترى جارتها ترمي أكياس القمامة في الشارع كل يوم او في قطعة ارض متروكة كُتب عليها مطلوب عشائرياً لا تُبـاع ولا تُشترى، الأمر الذي حوّلها الى مكب نفايات لكل النساء الكسولات مثلما تطلق عليهن أم إيهاب. فسيارة البلدية ال

لم تستطع أم إيهاب الانتظار أكثر وهي ترى جارتها ترمي أكياس القمامة في الشارع كل يوم او في قطعة ارض متروكة كُتب عليها مطلوب عشائرياً لا تُبـاع ولا تُشترى، الأمر الذي حوّلها الى مكب نفايات لكل النساء الكسولات مثلما تطلق عليهن أم إيهاب. فسيارة البلدية المخصصة لجمع النفايات تمر صباح كل يوم في الزقاق، حتى ان البعض يتضايق من صوت المنبه العالي، إلا أن البعض من الناس مصرٌ على عدم الالتزام والمحافظة على نظافة الشارع والمحلة والمدينة والبلد بشكل عام، اذ تشكو كل محافظات ومدن العراق من تراكم النفايات والقمامة في كل أرجائها!!

ضعف الوعي
مدير عام دائرة التوعية والإعلام في وزارة الصحة والبيئة امير على الحسون يقول لـ(المدى) : لو أجرينا مقارنة بين طبيعة الخدمات المقدمة من اجل رفع النفايات بشكل يومي واعداد الكوادر البشرية العاملة فى هذا المجال وتحديداً في الازقة والشوارع وأعداد الآليات قياساً مع أية مدينة في دول العالم مع حجم الكثافة السكانية في مدينة بغداد تحديداً سنجد أننا نقدم الأكثر. مبيناً: أن ضعف الوعي لدى المواطن والمتضمن رمي الاوساخ فى الاماكن غير المخصصة بات حالة طبيعية لدى البعض خاصة فى الشوارع الرئيسة .
واضاف الحسون: نلاحظ جيداً أن كميات كبيرة من النفايات تم تركها من قبل المواطنين فى الاماكن العامة أثناء التنزه ومنها منتزه الزوراء، مبدياً أسفه على حالة الفوضى مشدداً: ان هناك متابعة مستمرة مع دوائر البلدية في متابعة عملها والتاكيد على رفع جميع النفايات من اجل عدم حدوث امراض واضرار بيئية تنعكس على صحة المواطن.
الستوتات والنفايات والسريع
المواطن محمد لقمان من سكنة حي الشماسية في منطقة الصليخ يقول لـ(المدى): ان مشكلة النفايات وتواجدها بين الأزقة اصبحت مقلقة لنا خاصة مع انتشار مرض الكواليرا، مبينا: ان محلة 324 لا تدخل لها السيارات الخاصة برفع النفايات فاستغل البعض من اصحاب الستوتات الأمر إذ يقومون بالتجوال على البيوت وأخذ النفايات مقابل مبلغ الف دينار لكل بيت ويقومون برميها على الطريق العام بالقرب من شارع محمد القاسم وبأكوام كبيرة الأمر الذي يشوِّه الشارع العام!
سجاد محمد صاحب ستوتة يقول: نعمل في منطقة الصليخ والمتضمنة رفع النفايات من امام بيوت المواطنين لقاء مبلغ رمزي وهي خدمة نقدمها للناس من اجل التخلص من النفايات، مشيرا: الى أن الاجور المدفوعة من قبل اصحاب البيوت (حسب المستطاع) حسب قوله، وان إجمالي المبالغ التي يتم الحصول عليها تترواح مابين 30 الف الى 40 ألف في اليوم.
وعن اماكن رمي النفايات يقول: في بعض الأحيان نرميها في اماكن فارغة او قرب بعض الحاويات، واحيان اخرى في اماكن قريبة من المنطقة.
نظافة المدنية
في حين يقول المهندس احمد نائل لـ(المدى) : أمنيتي أن أرى بغداد نظيفة كما كانت في الثمانينيات او مثل أية مدينة اخرى من مدن العالم ، حيث كان جامعو القمامة ومنظفو الشوارع يستمرون في العمل ليلا ونهاراً، لافتا: الى انهم كانوا يطرقون الابواب لجمع النفايات قبل ان نرميها وكانت هناك مستودعات كبيرة في كل حي لتجميعها حيث يمكن للناس وضع القمامة فيها بدلا من رميها في الشارع كما يحدث الآن!
اما كرم احمد طالب جامعي فيقول: نسمع الكثير من الاحاديث حول نظافة بغداد وبقية مدن العراق في فترات سابقة، وكيف كان الناس يحرصون على نظافة الشارع والحديقة وكأنهم في بيوتهم، مستغربا: عن الأسباب التي جعلت بغداد ان تكون من اكثر المدن التي تتجمع فيها النفايات، منوهاً: ان الأمر خاضع اولا لثقافة الفرد ووعيه وحرصه على بلــده ومدينته.
حملات شبابية طوعية
رئيس منظمة شباب الرافدين قيصر حسن أوضح لـ(المدى) لدينا حملات للنظافة في شوارع وأزقة بغداد، لكن هدفنا الاساسي منها هو توعية المواطنين اولا وبث روح المواطنة بينهم. وكانت الاستجابة واضحة من قبل الكثير من الناس. مبينا: نستعد في الوقت الحاضر لحملة تشمل جميع مناطق بغداد، اذ سيخصص كل اسبوع لمنطقة. مؤكدا ان هذه الحملات جاءت نتيجة عدم مساهمة المواطنين في عمليات تنظيف مناطق سكناهم.
واضاف حسن: برغم توزيع منشورات وتعليق لافتات تؤكد ضرورة النظافة وعدم رمي الاوساخ في الشارع، إلا ان البعض لم يمتثل لذلك، الأمر الذي انعكس سلبا على قناعة المشتركين بالحملة اذ اصابهم اليأس، مستطردا: مازال الكثير من الناس يرمون العلب الفارغة وبقايا الطعام واعقاب السكائر في قارعة الطريق او من خلال نافذة السيارة، ولو اكتفت كل عائلة بتنظيف واجهة دارهم لأصبح الشارع نظيفا ولن نحتاج الى كل هذه الجهود واللافتات.
شارع المطار أنموذجاً
اختصاصي الأمراض الصدرية د. مهدي العزاوي يتحدث لـ(المدى) مستغربا من الجو العام الذي نشاهده يومياً من الكميات والاكوام الكبيرة للنفايات والقمامة وهذا يعني ان هناك خللاً واضحاً من قبل الدوائر البلدية، مضيفاً: أرى تصرفات غير منضبطة يقوم بها الكثير من المواطنين والمتمثلة برمي الاوساخ من السيارات في الشارع العام كما أرى الكم الهائل من قناني المياه في الشوارع العامة والفرعية وهذا يدل على عدم شعور المواطن بالمسؤولية المشتركة مع الجهات المعنية.
وروى العزاوي حكاية عدد من الأطباء قام بزيارة بعض الاقضية والمناطق في بغداد وتحدثنا عن التقصير ما بين الجهات الحكومية والمواطن بعد مشاهدتنا للنفايات في كل مكان وعند سفرنا الى احد الدول الجوار لحضور مؤتمر طبي شاهدنا ان شارع المطار الوحيد في مدينة بغداد الخالي من النفايات حيث علق احد الاطباء بطرفة (لو ماكو بشر بشوارع بغداد جان تبقى نظيفة)!!
بيـن ناريـن
عبد الرزاق سامي مراقب في إحدى دوائر البلدية يقول: نعاني من مشكلة المحال التجارية الممتدة في جميع شوارع بغداد الرئيسة والمهمة والتي تتحوّل مساءً الى أكوام مخيفة من النفايات، مضيفا: لقد ثحدثنا مراراً مع اصحاب المحال على ضرورة ان توضع مخلفات محالهم وأعمالهم في الحاويات القريبة، البعض منهم علل الامر بالكميات الكبيرة من النفايا.
واضاف المراقب البلدي: ليس باستطاعتي فرض غرامة عليهم خوفاً من الملاحقة العشائرية او خلق مشاكل انا في غِنى عنها، وتجنباً لحصول اعتداء كما حصل سابقاً مع العديد من المراقبين، مشيرا: في ذات الوقت نحن نُتهم بأخذ الرشوة في حال تركهم او عدم فرض الغرامات عليهم.
الفساد والصالح العـام
اما د. نهلة جميل النداوي اختصاص التوعية الصحية توضح في حديثها لـ(المدى) أن هناك العديد من ألاسباب التي جعلت المواطن غير حريص على نظافة منطقته وان يكون شريكا فى العديد من القضايا التى تخص الخدمات وغيرها من الآمور التى تسهم بشكل ملحوظ في ديمومة المرافق العامة خصوصاً في مجال ( النفايات )، مشيرة: أن المشهد اليومي للفرد العراقي محدود خصوصاً في الوقت الحاضر وقضايا الفساد وحالات الرشوة التي يُجبَر المواطن على دفعها في تمشية الكثير من أموره.
واضافت الندواي : هذه من الاسباب التي تمثل حالة الرفض للوضع الحالي والتعبير بأية طريقة تضر بالصالح العام كون المساهمة في أي شيء سيعزز صورة المسؤولين امام الجميع، والشيء الآخر هو عدم وجود منظمات مجتمع مدني مدعومة من قبل الحكومة لغرض نشر الوعي الصحي والبيئي، مستدركة: بل بالعكس من ذلك قامت الحكومات السابقة بانفاق المليارات على قضايا ومشاريع أُهملت، بل أصبحت حبراً على ورق وتجاهل دور منظمات المجتمع المدني في اشاعة روح المواطنة ونشر الوعي المجتمعي.
تقليص العمال والسيولة النقدية
النائب الأول لمحافظة بغداد جاسم البخاتي اشار في تصريح سابق الى أن المحافظة عمدت الى تقليص أعداد عمال النظافة من 800 عامل في عموم مناطق العاصمة إلى 300 عامل، وذلك بسبب قلة السيولة النقدية، مبيناً أن عمال التنظيف في أرياف العاصمة توقف بشكل كامل، فيما تم تقليص اعداد عمال التنظيف في مراكز المدن ستكون بنسبة 30 % وذلك برفع النفايات من قبل عمال النظافة فيما بينت هيئة الخدمات في مجلس محافظة بغداد تأخير دفع مستحقات الاجور اليومية لعمال النظافة الى شحة في التخصيصات المالية للمحافظة .
من جهتها وجهت امانة بغداد الشركات المتعاقدة معها في مجال النظافة بعدم تشغيل الاطفال دون سن 15 عاماً لإجل حمايتهم من مخاطر التواجد في الشارع!
وذكرت مديرية العلاقات والإعلام في بيان أوردته لـ(شفق نيوز) ان امانة بغداد ألزمت الشركات المتعاقدة معها في مجال التنظيف بعدم تشغيل الاطفال دون 15 عاماً للمساهمة في الحد من انتشار ظاهرة عمالة الاطفال وحمايتهم من مخاطر تواجدهم في الشارع عملاً بقانون العمل العراقي رقم 71 لسنة 1987. مضيفة: ان امانة بغداد تحرص على حماية الاطفال من المخاطر الناجمة عن الاعمال التي لا تتناسب مع أعمارهم منها حوادث الدعس والمخاطر الاخرى التي يمكن ان يتعرضوا لها.
بغداد الأسوأ بامتياز
سبق وان أظهر مسح عالمي أجرته مجموعة "ميرسر للاستشارات" أن العاصمة النمساوية فيينا ما زالت أفضل مدينة يمكن العيش بها في العالم، بينما حلت العاصمة بغداد في المركز الأخير!.
ونقل تقرير اخباري عن البرلماني العراقي بولاية فيينا عمر الراوي قوله: أشعر بالفخر بأن المدينة التي أعمل بها كسياسي وأبذل جهدي في تقديم الخدمات البلدية لأهلها (فيينا) تُنتخب للمرة الرابعة على التوالي كأفضل مدينة في العالم . وعن بغداد يقول الراوي المولود فيها: يعتصرني الألم بأن تكون بغداد المدينة التي ولدت فيها أسوأ مدينة في العالم. وهنا لابد أن يسأل ساسة العراق أنفسهم، لماذا بغداد في ذيل القائمة وقعر التميز؟!
وتابع الرواي: لدينا مشروع متكامل لإعادة تدوير النفايات للاستفادة القصوى منها مبينا: ان فيينا رقم واحد في الإسكان حيث تملك بلدية فيينا 230 ألف شقة سكنية و90% من الشقق التي تبنى الآن مدعومة من البلدية و62% من الشقق الموجودة الآن مدعوم من البلدية أيضاً. مضيفا: أن على الساسة العرب أن لا يختزلوا التميز والنجاح بأطول جسر وأعلى برج وأضخم مسرح، بل بتقديم أفضل الخدمات للمواطنين.