لقد شهد التاريخ الحديث اول احتكاك طائفي واسع بين الشيعة والسنة، ابان الثورة الايرانية عام ١٩٧٩. وبعد نحو ٤ عقود من المواجهات المكلفة وصلنا الى اسوأ لحظة. كان في وسع الحكماء ان يصححوا مجرى التاريخ ويراجعوا الحوار والشراكة داخل منطقتنا الحيوية ماديا وروحيا. لكننا انتهينا الى ان "ندعو الله" كي ينصر قيصر روسيا الشرقي، او ان يعين ملك الافرنجة الغربي، حيث بوتين المنزعج من اسعار النفط والمتشوق لدور القوة العظمى، واوباما الباحث عن نهاية كبيرة لفترته الرئاسية.
وكيف سنعثر على نهاية لما قد بدأ تواً، ونتنبأ بالسلام بعد ان احترقنا بالحرب؟ هذا سؤال شائع. ولكن حين تسقط قواعد لعبة قديمة، لا تكاد تبقى مسطرة للتخمين والتكهن. لقد انهارت معظم قواعد اللعبة بيننا. كل دولة راحت تتصرف بلا قواعد، بل داخل كل دولة، "لا دولة". لم يعد غريبا ان تكثر المفاجآت وتغيب الدهشة، ولم يكن خيار سوى ان تدخل قواعد الخارج لتملأ فراغ القواعد المحلية.
ان مهمة العرافين والمتكهنين والعرابين تتعقد. لا حاجة الى التنبؤ بما ستفعله القوى الاقليمية المكشوفة، بل المهمة المستحيلة هي ان نتخيل شكل بلدان المنطقة بعد دخول قواعد غامضة وملغزة، قادمة من معارك الاسواق البعيدة والمصالح الكبيرة. حيث تصبح ازمة اوكرانيا حدثا محليا في مكة وحلب، وسباق الرئاسة الاميركي مؤثرا في البصرة وشيراز. النتيجة الاساسية التي تحتاج منا اعترافا في هذه اللحظات، هي اننا لم نتعلم السياسة بما يكفي، كما لم نحسن استخدام السيف. لا حواراتنا تنجح ولا حروبنا. والحل عبر التاريخ لم يظهر الا بمراجعة التناقضات الساخرة.
العقلاء في مجتمعاتنا ظلوا يفكرون بممكنات الحوار والتعايش، لكنهم ظلوا يتعرضون للسخرية والخسارة. بينما المجانين من كل الاطراف ومعهم ملايين الجمهور، يبحثون عن دعم اميركي او روسي للقضاء على السنة او الشيعة.
السياسي العاقل يتعرض للاتهام بانه حالم رومنسي وغير شجاع. اما السياسي المجنون الاهوج فهو فارس لا يخاف الموت، لكن المصادفة انه لا يموت، اذ المصير المؤلم مخصص لمساكين المحرقة.
الدعوة للحوار والسلام متهمة بأنها غير ممكنة التطبيق. لكن ما رأيكم بمن يؤمن بالعنف الذي لا يرافقه التدبير السياسي المتعقل؟ هل يمكن لهذا النهج ان يجعل الاخرين خاضعين، ويرسي الاستقرار ويمنع الانشقاق الدموي؟ اليست هذه فكرة حالمة وغير واقعية؟
طوال عقود كنا يائسين من حلول السياسة، فانهمكنا في حروب بلا نهاية، وفشلنا ايضا. ولا احد تعلم الدرس. ولا احد من القادة المسلمين يجرؤ ان يبادر الى تسويات عملية. وها نحو نتسلى بمشاهدة المصارعة المشكوكة، بين بوتين واوباما.
ويا للمفارقة، فنحن اكثر امة ترتاب ب"الاجانب" وتهددهم بالسيف. لكن امتنا في الوقت نفسه تشك ب"الاقارب" ولا تعرف كيف تتحاور معهم، لذا تعود مجبرة الى حضن الاجانب، فيما يشبه دورة اليأس المجرد عن اي لذة او مجد.
نبوءات اقارب واجانب
[post-views]
نشر في: 5 أكتوبر, 2015: 09:01 م