اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بـ "سيت" قرب مقهى السمعة السيئة

بـ "سيت" قرب مقهى السمعة السيئة

نشر في: 6 أكتوبر, 2015: 09:01 م

بين مبيت الشعراء في(أووز)أسفل مدينة فاليري بفرنسا، حيث يمتد البحر غير منتهٍ هناك، وبين (بلاس دي بوفر) مبنى إدارة الفيستيفال مسافة تقطعها على الأقدام إن شئت، وإن لم تشأ فإن (لوغون) سائق الميني باص، لن يتأخرَ عليك أبداً، هو أكثر من منضبط في مواعيده. ولأن الشمس لا تهددُ أحداً، لأن الطريق أجملُ حين تقطعها ماشياً، فقد كنتُ أتخذ من قدميَّ دابةً، ما غلبني النوم وتأخرتُ عن موعد الحافلة. آنئذٍ سيكون طريقي محاذيا للبحر الكبير، وسيطول وقوفي عند محال بيع السمك وأكشاك الصيادين وباعة أدوات العوم والحبال. عالم من شباك وسنارات وأعواد ومظلات وقبعات مغرٍ لي، وفي السوق التي لا يفصلها عن القناة سوى شارع ضيق بممر واحد ورصيف. كنت أتأمل سلال الصيادين الملأى بأنواع السمك والمحّار والقواقع وهي تفرغ، أو وهي تُحمل مملوءةً إلى عنابر المطاعم الكبيرة.
على الجهة الثانية من القناة تصطف عشرات القوارب الملونة بأشرعة صغيرة أو بدون أشرعة، مع عشرات المطاعم والمقاهي والكازينوهات. وفي منتصف الطريق بين مكاتب الطيران والمقهى الصغير، القريبة من القناة، التي غالبا ما كنت أجد الشاعر اللبناني بول شاؤول متخذها مجلساً، هكذا كما كنا نجده جالسا ببيروت في مقهى الستار باكس أو الكوستا، لا يكلمه احد فيها. هناك حانة صغيرة، اسمها حانة (الصحبة السيئة) غلب اللون الأزرق على مقاعدها وشراشف طاولاتها. حتى ان المناديل الورقية البيض كانت تُطوى على هيئةِ مصابيحَ صغيرة لتبدو أكثر زرقة في الكؤوس، فهي تتموج في البلّور البحري. لا يجلس في الحانة هذه إلا الكرام من الرجال والنساء والولدان الشقر، ولا يؤمها إلا الاسوياء المعروفون منهم، كلّ جلاّس الحانة فخورون، معتدّون بأنفسهم، انيقون جداً، بعد أن يصبح الأزرق سيداً في الفضاء المحتشم الفسيح.
فجأة، وفي مساء أحد الآحاد أغلقت البلدية الشارعين المحاذيين للقناة، سيارة طويلة حمراء قطعت الطريق هذا ومثلها قطعت الطريق ذاك. لذا كان لزاما على باصات النقل العام أن تسلك شوارع اخرى بديلة. وفي بحر من ساعتين أو أقل تمكن أصحاب المطاعم والكازينوهات من نصب أكشاكهم في الهواء الطلق، هم يستعدون لحفلة باربكيو في مثل اليوم هذا من كل اسبوع. لذا، هيأوا الطاولات والكراسي والمظلات الملونة والأواني بما لا يتشابه بعضها مع البعض الآخر، قبالة الساحل هذا والساحل ذاك، وقبل حلول المساء صارت الضفتان تعجّان وتضجّان بالآلاف من سكان المدينة وغيرهم. كرنفال ألوان لا تعد، وموائد مشتهاة بلا نهايات. الكؤوس على الطاولات ممتلئة ونصف فارغة. النبيذ بطعم المساءات الحانية والاحمر منه سيّدٌ على الالوان كلها. فرق الراقصين ومجموعات العازفين تجوب الشارعَين، فرحُ وسعادة الجمهور أكبر من أن ترسم في لوحة، أبعد من ان تخط في ورقة. أريتم مدينة تقيم حفل باربكيو بهذا الحجم ؟
في الأحد الماضي أكل أهل سيت من اللحم ما لم يأكلوا من قبل، وشربوا من النبيذ ما لم يشربوا من قبل. رقصوا وغنوا وتعانقوا، قبّلوا بعضهم وضحكوا، قرأوا الشعر وتصفحوا جرائد المساء ثم آبوا، تركوا أصحاب المطاعم فرحين منشغلين يُحصون نقودهم .. لم أرَ سكراناً يخط بقدميه في الأزقة الكثيرة التي سلكها العائدون من ضفتي القناة. الناس في سيت لا يثملون أبداً، لا يشاكسون ولا يقهرون غريباً، لا يتجاوزون حدود السكر التي أباحتها المسرّات حتى وإن أمسى لهم ماءُ القناة نبيذاً قراحاً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram