TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > توقيع: جر الحبل

توقيع: جر الحبل

نشر في: 9 يناير, 2010: 06:16 م

وارد بدر السالم مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية، بدت الأجواء السياسية تميل الى التوتر، وبات كل شيء فيها ينذر بالمزيد من الشد والجذب والاحتقان، بما يعني الاستدراج القسري لمنظومات سياسية على حساب أخرى وإدخالها في ساحة جديدة من التعامل النفسي الذي لا نتكهن بخواتيمه كثيراً.
 هذا الاستدراج المفهوم يشبه الى حد كبير لعبة جر الحبل الصبيانية عندما يكون الفريق الأقوى يجر الفريق الأضعف ويقصيه من اللعبة في نهاية الأمر.. والعراقيون الذين أُدخلوا الى الحياة السياسية من كل نوافذها الديموقراطية الجديدة سيشكلون في الانتخابات القادمة الطرف القوي في هذه اللعبة المطاطة، فهم وحدهم قادرون على إجادتها؛ عندما خرجت من طور مراهقتها وصبيانيتها الى أطوار النضج المبكر وتحولت الى رؤية تستبصر المستقبل بثبات؛ بعيداً عن تشكلاتها الضيقة من الحزبية الضعيفة والطائفية الممضة والمناطقية والشللية وما الى ذلك من تسميات، هدفت في مرحلتها الطفولية الأولى الى زج العراقيين في محنة الهوية المحلية على أساساتها الدينية والعرقية والمذهبية.. التكهن صعب بما ستؤول اليه نتائج لعبة جر الحبل هذه. لكن من السهل بمكان أن نستشرف أبعاداً خطيرة فيها، لاسيما والتجربة الديموقراطية العراقية الجديدة صارت هدفاً لأجندة خارجية وسياسات داخلية مشبوهة بعناوينها المستترة والمعلنة. وربما يقودنا الاستشراف الى توقع أعمال عنف إرهابية صعبة واستشراء فساد سياسي جديد وشراء ذمم وشيوع طوابير سرية تشعل الفتنة الطائفية واصطفاف بعض القنوات الاعلامية والصحف المحلية والخارجية الى اطراف سياسية معينة لإذكاء النار في الرماد الهامد؛ وربما ستعود لعبة الاغتيالات القذرة في الوقت الحرج القادم، ومن كل هذا وذاك سيكون العراقيون بين نيران المتحاربين السياسيين وألسنتهم الذربة وأذرعهم الطويلة ومالهم السياسي العفن واستعراضاتهم التي ستطول المجتمع هنا وهناك، لتستمر اللعبة الى نهايتها دون النظر الى أوجاع الناس ومآسيهم وقلة حيلتهم وزادهم ومعاشهم.. هذه الاستشرافات ليست خيالية بطبيعة الحال، فالواقع اثبت وعلى مدار أربع سنوات أن كل شيء ممكن في الوطن الجريح، وما نراه في الواقع هو تحصيل حاصل للفوضى السياسية التي تتجاذبها حساسيات مختلفة المناشىء، لم يكن العراقيون غافلين عنها، ولا مغمضي الأعين لا يرون ماذا يجري ولماذا وكيف! لذلك يحق القول أن الشد والجذب الحاصل الآن في العملية السياسية وعلى مقربة من صناديق الاقتراع لا يقرره السياسيون حسب؛ إنما للشعب بصائره الذكية وأصابعه الطويلة وقواه الخارقة في استحضار الموقف الوطني المناسب في لحظته التاريخية القادمة.. وهذا يعني أن المتحاربين الذين انكشفت عوراتهم من الأطراف كلها، ليسوا هم عصب القرار بالنهاية أمام مد المواطنين ورؤاهم التي أنضجتها السنوات الأربع التي مضت، ولا نعتقد أن الشعارات التي سترفع والوعود التي ستقال كافية لمد جسور الثقة بين السياسيين؛ أياً كانوا؛ وبين العراقيين الذين استدرجتهم السياسة الى مضانّها وحلقاتها الواسعة، المتداخلة، المشتبكة، ولن يكون بوسع أحد أن يفرض شروطه على المجتمع في لعبة جر الحبل القاسية.. نقول للساسة المراهقين منهم والناضجين على قلتهم أن لعبة جر الحبل السياسية بشكلها الصبياني الحالي لن تعود بالفائدة على مجتمع محاصَر بالعنف والإرهاب والضغط النفسي والفقر والعوز والحاجة، وإن الشعب لن يتحمل المزيد من هذه المفردات والعناوين؛ فمثل هذه اللعبة ستجلب الويلات وتسوّد الحياة بدل أن تصبغها بألوان الفرح المأمول والمنتظَر؛ واذا ما كان لكم أن تلعبوها فالعبوها بعيداً عن الناس واتركوا لهم وحدهم تقرير مصير وطن جريح...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram