حازم مبيضينيبدو عالمنا العربي وكأن موجة من التطرف الديني أصابته، فانطلقت المشاعر الهوجاء، لتفرق بين المسلم والمسيحي، وبين الشيعي والسني، وكأن هذا التعصب المقيت سيقود إلى تحول البعض إلى دين آخر أو مذهب غير مذهبه،
وآخر التجليات في هذا الموضوع قيام صاحب سوابق جرمية مصري بالتعدي على تجمعات لمسيحيين فى مدينة نجع حمادى بمحافظة قنا ما أسفر عن مقتل ٧ مسيحيين وشرطي مسلم وإصابة نحو ١٥ آخرين. ويأتي هذا الاعتداء على خلفية اتهام شاب مسيحي باغتصاب فتاة مسلمة بإحدى قرى المحافظة. وأدى هذا الاعتداء لقيام المعتدى عليهم بالتظاهر الذي واجهته قوى الأمن بالغاز المدمع، ما أثار مشاعر الغيظ فهاجم المتظاهرون بالحجارة المستشفى الذي كانت توجد فيه جثث القتلى، وحطموا سيارات تابعة للمستشفى وأخرى خاصة، ورشقوا موكب المحافظ ومدير الأمن بالحجارة وطالبوا بإقالة المحافظ، رغم أنه الوحيد القبطي من بين ٢٩ محافظا في مصر . يحدث هذا في مصر المشهورة بالتسامح، وبطغيان الشعور الوطني، والتي رفع قادتها وهم يحاربون الاستعمار شعار الدين لله والوطن للجميع، وكان مئات من المتعصبين أشعلوا النار في متاجر لمسيحيين في إحدى مدن الصعيد بعد فشلهم في الفتك بشاب مسيحي أثناء قيام الشرطة بنقله إلى المحكمة للنظر في تجديد حبسه، وأصيب سبعة مسيحيين على اﻷقل ومسلم واحد بجروح طفيفة بسبب تراشق مجموعتين من الجانبين بالحجارة في المدينة في نفس اليوم، ويحدث أيضاً أن النزاعات الدموية تنشب بسبب بناء الكنائس أو ترميمها أوتغيير الديانة أو نتيجة علاقة حب بين اثنين من ديانتين مختلفتين ويتم كل ذلك رغم ما هو معروف عن العلاقة الطيبة بين مسلمي مصر ومسيحييها. وجدير بالمتابعة تقرير منظمة العفو الدولية الذي يقول إن الهجمات الطائفية التي تستهدف مسيحيي مصر قد زادت عام 2008. كما أن استهداف البهائيين المصريين من قبل المتطرفين أمر يستحق التوقف عنده ومتابعته. في سوريا يتبارى المتعصبون لإثارة الفتنة بين العلويين والسنة، وفي العراق بين المسلمين والمسيحيين وبين الشيعي والسني، وفي لبنان يتجاوز التعصب الحدود بين أبناء الدين الواحد بغض النظر إن كان الإسلام أو المسيحية، وفي السودان يتعرض المتعصبون للمسيحيين والأرواحيين، وفي السعودية ترتفع بعض الأصوات لإثارة النعرات بين الوهابيين والشيعة، وفي الكويت تنطلق دعوات بغيضة للتفريق بين اتباع أهل البيت وغيرهم، وفي اليمن تستعر الحرب الطائفية التي فجرها الحوثيون وهم من أتباع المذهب الزيدي، وفي المحصلة فان الناظر إلى هذا المشهد المأساوي يشعر بأنه يتطلع إلى مستشفى للمجانين. سيلقي البعض اللوم على الاستعمار، وربما الصهيونية العالمية، وقد يصل الامر إلى اتهام التكتلات الاقتصادية العابرة للقارات، ويتجاهل هؤلاء أن أسس التربية، ابتداءً بالمنزل ومروراً بالمدرسة ودور العبادة، تستند على التعصب الأعمى، والتقليل من شأن الآخرين، وأن التربية بكافة أشكالها تحتاج إلى إعادة نظر، وأن البيت والمدرسة بحاجة إلى مناهج جديدة، تقوم على فكرة التسامح واحترام معتقدات الآخرين، وتقوم على أساس الانتماء الوطني بدل الديني أو الطائفي أو المذهبي، ولعل من المفيد لنا جميعاً العودة إلى الطرح الوطني الجميل والنبيل الذي رفعه القادة الوطنيون في مصر قبل عشرات السنين والقائل إن الدين لله والوطن للجميع .
خارج الحدود: إيقاظ الفتنة
نشر في: 9 يناير, 2010: 06:21 م