أسبوع كامل عاشه ابني يوسف في كآبة قاتمة بعد هجرة ثلاثة من اصدقائه الى اوروبا ..وبالتأكيد انتقلت اليه الحمى التي اصابت الشباب العراقي وصرت اسمع منه عبارات مثل " ماكو عيشة بالعراق " ، " خلي نشوف وجه الدنيا " ..ادركت ان محاولتي اقناعه بعكس ذلك ستبوء بالفشل فسلكت طريقا آخر حين منحته أملا جديدا فهو مايزال في المرحلة الاخيرة من الدراسة الاعدادية وسفره بلا شهادة لن يفيده بشيء وسيقاسي الكثير وتنتهي رحلته كغاسل صحون في مطعم او عامل نظافة بينما يمكنه اتمام دراسته في الخارج بمساعدتنا اذا حصل على تلك الشهادة (الحلم ) بالنسبة لكل طالب يريد ان يحدد مستقبله او يبدأ حياته العملية ..واقتنع يوسف وأعد العدة للدراسة بشكل جدي لهذا العام لكن العام الدراسي الجديد مازال يحبو كالطفل ولم يقف على قدميه حتى الآن فالامتحانات لاتريد ان تنتهي بعد ان اعتاد الطلبة على دور ثان وثالث ونتائج متأخرة والمدرسون حائرون بين مراقبة الامتحانات والتصحيح ووضع اسئلة جديدة للدور الثالث ومراقبة امتحانات جديدة وتصحيح دفاتر جدد وبين اعداد جدول للدروس وخوض عام دراسي جديد أما طلبة المراحل المنتهية فلم يستلموا كتبا اويبدأوا الدراسة حتى الآن ...
أذكر اننا كنا نبدأ الدراسة الفعلية في نهاية شهر ايلول من كل عام ولم تكن عطلتنا الصيفية تتمزق بين النتائج المتاخرة والاعتراضات والادوار الثانية والثالثة ولم يكن هناك مايؤثر على المواعيد الثابتة للامتحانات والنتائج والقبول المركزي..كان كل شيء يجري في موعده الا في الحالات الاضطرارية كالحروب والظروف الطارئة ...اليوم اصبحت الحياة كلها عبارة عن طوارئ واحداث اضطرارية وعطل اجبارية ولم تعد السنة الدراسية تمشي حثيثا بل تتلكأ وتتباطأ وتتراكم الدروس على الطلبة ولايفعل المدرسون شيئا اكثر من تعقيد الأمر على الطالب وارباكه ودفعه الى البحث عن مدرسين خصوصيين وبعد رحلة عناء يتكبدها الطلبة والاهالي طوال عام كامل تأتي النهاية محبطة مابين اسئلة مسربة ونتائج غير متوقعة وقرارات آنية ومن ثم تبدأ مهمة الوزارة والهيئات التعليمية في دفع الطلبة للنجاح دفعا بمنحهم ادوارا ثانية وثالثة ودرجات اضافية للمواد الراسبين فيها لدرجة ان الطلبة باتوا مطمئنين الى بلوغ النجاح دون ان يبذلوا الجهد الحقيقي الذي على الطالب ان يبذله ..كيف تحول التعليم في العراق الى رحلة متاعب يخوضها الطالب والجهات التعليمية والاهل وتنتهي غالبا بالاحباط للجميع فليس هذا هو التعليم الذي ننشده لعراق جديد وليس هذا هو الجيل الذي نحلم به لبناء عراق جديد وليس هذا هو الظرف الطبيعي الذي يمكن ان ينقذ التعليم في العراق من الانهيار فالاهل اليوم لم يعد يهمهم اكثر من بقاء ابنائهم على قيد الحياة وهكذا تسربت اعداد كبيرة منهم الى الخارج او مغادرة الدراسة والخروج الى العمل لتخفيف اعباء الحياة عن الاهل ...
الحياة ، هذه المفردة التي بات الشباب يفهمها على انها مجرد البقاء حيا او تحقيق مابوسع الشاب تحقيقه مما يجده امامه من معطيات ،لم تعد تعني السعي والنحت في الصخر وتحدي الصعاب لتحقيق الاحلام فما ان تسأل أي شاب عن احلامه سيقول لك بلامبالاة .." يااحلام ...يابطيخ ..خلينا نعيش يومنا والله كريم " ويعود مسرعا ليتابع مايرده من رسائل ساذجة على الفيس بوك ..لعله محق فقد يكون اليوم بيننا وغداً يقع ضحية انفجار او هجرة الى الخارج !
ياأحلام.. يابطيخ!
[post-views]
نشر في: 9 أكتوبر, 2015: 09:01 م