بالامس وانا اسمع اسم الفائزة بجائزة نوبل للآداب تساءلت مع نفسي "الامارة بالسوء" لماذا يتآمر الامبرياليون في السويد فيمنحون الجائزة لامرأة تكتب قصصا صحفية عن الماضي الذي لاتريد ان تتخلص منه، وزادت شكوكي بنوايا الاخوة في ستوكهولم حين خرجت علينا الفائزة لتقول لمراسل رويترز انها لم تتوقع الفوز ولهذا لابد ان تشكر السويد على هذا الخبر الرائع، وحين يسألها الصحفي ما الامر الذي كان يقلقها خلال السنوات الماضية، تجيب: الحيرة في وجوه الناس حين اسألهم عن السياسة والاشتراكية والثورات، ولهذا قررت ان لا اسألهم عن السياسة، بل أسأل عن الحب، والغيرة، والطفولة، والشيخوخة، وعن الموسيقى ، وتسريحة الشعر، هذه هي الطريقة الوحيدة للكشف عن الكوارث في سياق الحياة اليومية.
الانشغال بالناس وقضاياهم ، هو ايضا الذي جعل القائمين على نوبل يمنحون الجائزة الكبرى للسلام الى وسطاء الحوار الوطني في تونس، الذين مهدوا لعملية ديمقراطية سلمية ساهمت في تفادي الوقوع في حرب أهلية من خلال السعي لضمان الحقوق الأساسية للجميع من دون أي تمييز.
في زمن الفوضى ثمة نوعان من البشر: واحد يطفئ نار الفتنة، وآخرون يستميتون من اجل النفخ في رماد الخراب، النوع الاول لم نلتق به في " عراق المؤمنين "لكننا شاهدنا وعايشنا النوع الثاني من" النافخين " الذين طالبوا بتطبيق التوازن في الضحايا، بعد ان سرقوا البلاد باسم المحاصصة السياسية، تسمي السيدة "سفيتلانا أليكسييفيتش" هذا النوع من البشر بأنه طفح سياسي ، لابد من معالجته قبل ان يتحول الى مرض مميت، تعذرني صاحبة نوبل فاننا تجاوزنا مرحلة الطفح الجلدي الى مرحلة المرض الخبيث.
ماذا فعل هؤلاء التونسيون الذي جنبوا بلادهم مصيرا قاتما، احيلكم الى بيان نوبل الذي يقول اصحابه: "ان اللجنة استطاعت ان تؤكد للجميع أنه ليس لتونس حل سوى الحوار رغم الاختلافات العقائدية والمذهبية" ولتذكرنا بمأساتنا نحن ابناء هذه البلاد الذين اعتدنا منذ سنوات على التطلع فقط إلى تحقيق التوازن الطائفي في المناصب والمغانم وأيضا في محاربة داعش.
وعرة وضيقة دروبنا، بلاد لايعرف شعبها متى يضحك ساستهم ومتى يكفهرون، لماذا نصفق للتحالف الدولي، ثم نشتمه من على الفضائيات، لماذا نرفض التدخل الاجنبي ونسعى لان تدخل روسيا بدباباتها الى بغداد لماذا علينا أن ننتظر متى يبتسم كيري وطريف ، ولماذا يُقتل المواطن في شوارع بغداد والبصرة والموصل والانبار، ويجري البحث عن مصيره في تنزانيا؟
اشقاؤنا في تونس هم أبطال هذا العصر، الذين ربحوا معركة الحياة ، مثلما ربحت السيدة سفيتلانا معركة الادب لانها لا تبحث عن "التوازن"، فهي مسحورة بقصص الناس.
نوبل لـ "توازن" الفتلاوي
[post-views]
نشر في: 9 أكتوبر, 2015: 09:01 م