TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > تعالوا نُحبُّ البصرة نظيفة

تعالوا نُحبُّ البصرة نظيفة

نشر في: 10 أكتوبر, 2015: 09:01 م

يقول الكابتن الرياضي المعروف كريم علاوي، المولود في النصف الأول من عشرينيات القرن الماضي - أطال الله في عمره ومتعنا بذاكرته - بأنهم كانوا يسكنون محلة السيمر بالبصرة القديمة وأن أمّه كانت تضع حاوية النفايات( تنكة) عند باب بيتهم الخارجي، فيأتي عامل البلدية بعربة يجرها حصان أو حمار، يقف عند بابهم صباح كل يوم ليأخذها في فعل حضاري بدائي ينمُّ عن وعيٍّ حقيقي بأهمية النظافة في الحياة آنذاك.
وحتى السبعينيات، كانت ضواحي البصرة تعدُّ من أجمل مناطق العراق فصورة شوارع وتقاطعات المعقل والأصمعي والجنينية والطويسة وبريهة وغيرها كانت من أجمل ما يكون، ومثلها كانت الكثير من المدن العراقية نتيجة لشعور الناس عامة بأن النظافة فعل حضاري، يليق بالإنسان المتمدن، وهي من موجبات ديمومة الحياة، بعيدا عن الأمراض والأوبئة، غير أن ذلك لا يتم عبر قناة شركة التنظيف او البلدية إنما هي معادلة متوازية طرفاها المواطن وعامل النظافة، وهذا ما معمول به في جميع بلدان العالم.
شاهدتُ قبل أيام وعلى مواقع التواصل عدداً من سكان ضاحية في إحدى الدول وهم يحملون أكياس النفايات، في طابور صباحي جميل ويلقون بها في سيارة البلدية، بمعنى أنْ لا حاويات في الشوارع، ورأيت في إحدى زياراتي لإحدى الدول أيضا أنْ لا وجود لعامل النظافة في الشوارع، إنما هي سيارة حديثة تمرُّ ليلاً بمكنستها على المدينة لتغسلها بالماء المعطر. ويتحدث زائرو الجارة إيران كيف انهم إذا زاروا الأماكن المقدسة والسياحية هناك يكونون ملتزمين بعدم رمي نفاياتهم من طعام وشراب بما فيها أعقاب السجائر في الشارع، بل ويمنعهم البستانيُّ في الحديقة العامة من المرور على العشب، فهو يجبرهم على سلوك الطريق المحاذي لها، في حرص على ديمومة اخضرار العشب .
بمفهوم عام، النظافة سلوك فطري قبل أن تكون من أفعال الحياة الأخرى، لأن الإنسان، أيَّ إنسان يرفض بطبيعته وفطرته العيش في المكان الوسخ، وهو يحاول ان يظهر بالمظهر اللائق مع الناس، لذا يعتني بنظافة جسده ومظهره الخارجي بما فيه الحذاء. ويُعيب الجيران فعل جارهم إذا كان غير مهتم بنظافة منزله من الداخل ومن الخارج أيضا ، لكن ذلك لا يعني أن يتحمل المواطن تبعات القضية بمفرده إذا كانت الحكومة لم تعد العدة لذلك، ولم تعمل على توفير مستلزمات رفع النفايات مثلاً.
وقد لا نأتي جديداً اذا ما قلنا بأن الدولة الحالية، وهي إسلامية العقل في الغالب لم تعمل على جعل قضية النظافة - ولا نقصد أعمال البلدية - من مقاصدها الأولى، ذلك لأن مفهوم النظافة عندها ما زال ناقصاًً. فأدبياتها وخطباؤها وإعلاميوها يتحدثون عن أهمية إسباغ الوضوء وغسل الجنابة وطهارة ثوب الصلاة دونما الخوض في أهمية الوعي العام الخاص بنظافة المدن والشوارع والأسواق، لذا نجد أن صاحب المتجر الضخم يتوضأ لصلاته بإبريق الماء أمام باب متجره وسط أكوام النفايات في الشارع وعلى مرآه تقع بركة الماء الوسخ لكنه لا يجد الحرج والقبح والتخلف في ذلك!
هل نقول بأن مفهوم النظافة وأهمية رفع النفايات قضية لم تكمل في العقل العراقي البسيط بعد؟ هناك مَن يُلقي باللائمة كاملة على الحكومة ويطالبها بنظافة الشارع والساحة والسوق لكنه يسرق حاوية النفايات التي أمام بيته أو يعبث بها!
نحن أمة لا تتمتع بثقافة سياحية، والوطن عندنا لا يتجاوز بمفهومه حدود ما مكتوب في بطاقة الأحوال الشخصية، لذا ما يعوزنا جميعاً هو التفكير بأهمية ووجوب إظهار المدينة بالمظهر اللائق والعودة بها الى سابق عهدها كمدينة متحضرة، يدخلها السائح ويزورها المستثمر ويُقيم فيها مَن يبحث عن الرخاء والكرامة والعيش الآمن.
وعلى وفق ذلك نعتقد بأن التشريع الصحيح وتفعيل القوانين الرادعة تحديدا والحث المستمر عبر وسائل الإعلام على النظافة أسباب لا بـدَّ من توافرها في أي مجتمع. كما نعتقد أيضا بأن المواطن الذي يعيش في بيئة نظيفة - مهما تدنت درجة وعيه - سيتفادى رمي علبة المياه الفارغة او قطعة المنديل الورقية في الشارع أو المكان النظيف. هناك شعور خفي يُجبره على احترام المكان النظيف والناس معا، لذا نجده حين يسافر يسلك سلوك الأسوياء هناك، بما فيه النظافة والالتزام بقواعد المرور والتعامل المتحضر مع الناس.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي

إدارة الاقتصاد العراقي: الحاجة الملحة لحكومة اقتصادية متخصصة

د. سهام يوسف بعد مصادقة المحكمة الأتحادية على نتائج الانتخابات الأخيرة، يقف العراق على أعتاب تشكيل حكومة جديدة. هذه الحكومة ستكون اختبارًا حقيقيًا لإصلاح الاقتصاد العراقي المتعثر، حيث تتوقف عليه قدرة البلاد على مواجهة...
سهام يوسف علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram