رغم مرور عام على تشكيل حكومة العبادي، وعام على انطلاق عمليات التحالف الدولي ضد داعش، ودخول الاحتجاجات شهرها الثالث، الا ان كل هذه المعطيات والتطورات المتلاحقة لم تخرج البلاد من حالة الجمود الخانقة التي تلف المشهد منذ 2010.
لم تمتلك الحكومة الحالية، والتي شكلت بظروف حرجة سياسيا وامنيا، مفاتيح النجاح بتحريك المياه الراكدة بعد مضي اكثر من 13 شهرا من عمرها، رغم التفاؤل الواسع الذي صاحب الاعلان عن ولادتها القيصرية حينذاك.
قد يعزو البعض هذا الاخفاق الى التركة الثقيلة التي ورثتها هذه الحكومة من سابقاتها، لكن هذا العذر هو ذات العذر الذي تسوقه الطبقة السياسية الحالية لتبرير فشلها في بناء عراق جديد على انقاض الديكتاتورية.
ايضا تتحجج اوساط رئيس الحكومة بالازمة المالية القاسية التي تواجهها الدولة عموما، بفعل انخفاض اسعار النفط، واستنزاف الحرب على الارهاب لمواردنا، وهي ازمة حقيقية بالفعل، الا اننا في المقابل لم نشهد، خلال العام الحالي، خطوات حقيقية للجم الانفاق الحكومي وضبط انفلاته. كما لم نلاحظ ايضا مساعي جادة لايقاف هدر المال العام الذي اتى على موازنات انفجارية دخلت الخزينة العراقية منذ 2005. فمازالت الحكومة الحالية تتفرج على استنزاف الموارد المالية الشحيحة اصلا، مصرة على مواصلة تبديد احتياطي البنك المركزي الذي انخفض من 70 مليار دولار الى 55 مليار دولار في غضون 10 اشهر، وذلك بحسب آخر الاحصاءات الرسمية.
حتى اجراءات الاصلاح، التي اطلقها رئيس الحكومة مطلع آب الماضي، تفتقر للشفافية والوضوح وهو ما اثار حفيظة الجمهور الذي يشكو من بطئها احيانا وتخبطها احيانا اخرى. في السياق ذاته فان شركاء العبادي بدأوا بالحديث عن انفراده واحتكاره لقرارات الاصلاح بمعزل عن صيغة "المقبولية" التي تشكلت بموجه الكابينة الوزارية الحالية. هذا التبرم السياسي بلغ ذروته عندما لوح رئيس البرلمان بسحب التفويض الذي منح لرئيس الوزراء، وعندما كشف اياد علاوي مساعي اطراف في التحالف الوطني لاحداث تغيير في رأس الهرم.
هذا على الصعيد السياسي والمالي، فماذا عن الوضع على جبهات القتال المشتعلة منذ اكثر من عام؟ لا يختلف مشهد الحرب عن سواه، فالجمود في بيجي هو نفسه الذي تعيشه بغداد والبصرة.
وبمعزل عن الانتصارات الكبيرة التي حققها ابطال الجيش والحشد في تحرير الاراضي المحتلة، الا ان الجمود يتجلى بشكل واضح في عجز الدولة العراقية في انهاء تنظيم داعش رغم انخراطها بحلف دولي من 60 دولة تقوده اقوى الجيوش في العالم، مرجعية عليا حشدت ملايين المتطوعين في غضون ايام. هذا جمود عجز عن استثمار الانتصارات في جرف الصخر وديالى وتكريت والضلوعية افضى الى سقوط الرمادي في أيار الماضي من دون ان يثير ذلك حفيظة البرلمان والطبقة السياسية.
اختار القائد العام ان يكون "بلا موقف" من الناحية العسكرية، مفضلا الاستماع لنصائح جوقة جنرالات التحالف الدولي وهم يمارسون لعبة "الحية ودرج" مع داعش. فبينما يندفع مقاتلونا لتحرير ما تبقى من بيجي والشرقاط، ينصح مارتن ديمبسي بالاهتمام بالانبار، وعندما تهدد الاخيرة يدعو بغداد للتركيز على بيجي ومصفاها لان سقوط الاولى لا يمثل تهديدا. وعندما نفقد ثاني اكبر محافظة يحملنا حلفاؤنا اللوم على الرغم من انهم يقدمون اعذارا صبيانية لاخفاقهم بمنع داعش من دخول الرمادي واستمرارها بالتحرك وبرشاقة ما بين الرقة والموصل!
الجمود و "اللاموقف" هو التعبير الحقيقي عن سلبية الحياة السياسية التي ينخرط فيها خصوم؛ لا يعترفون بالفشل ولا يحسنون النجاح، ولا يرحمون ولا يدعون رحمة الله تنزل على هذا البلد المنكوب.
اللاموقف سيد الموقف
[post-views]
نشر في: 10 أكتوبر, 2015: 09:01 م