نعم هنالك ازمة في كردستان منذ وقت طويل، تهدأ ثم تطل برأسها، وستتفاقم ربما على وقع انهيار النفط وفاتورة الحرب، وجزء من الخلاف حالة صحية نحتفي بها كجزء من التعددية السياسية، لكن جزءا اخر يثير المخاوف، من قبيل القلق الحزبي الذي يتحول احيانا الى عناد، ومحاولات التدخل الخارجي السيئة.
كيف سنتعامل مع الازمة؟ اساسا: مالنا والاحزاب نحن الذين نكتب ونعلق؟ معظمنا يستقل التاكسي ويعيش حياة زاهدة ولا يمتلك حتى بيتاً، فلماذا ندافع عن كردستان، كما نُتهم؟
نحن كعلمانيين، ولا اقصد من ينشرون في "المدى" فقط، متهمون بأننا ننحاز لكردستان "العلمانية" وسط موجة تشدد ديني مميت تجتاح المنطقة. هل ننكر ذلك؟ كلا! فنحن ننحاز كذلك للتيارات العلمانية التي تحارب التشدد، وهذا امر حاسم في توجهنا داخل معركة وجودية. ولكن ثانية.. ألم نعبر عن تأييدنا للاطراف المعتدلة الدينية في ملفات كثيرة، كما انحزنا للموقف الشعبي المطالب بالاصلاح؟
لماذا ننحاز الى هؤلاء، مع اننا خارج لعبة المال والسياسة، في الغالب؟ كنا في خضم الصراع مع نوري المالكي بعد انسحاب فيالق اميركا، ندعو لاجراءات تصحيحية، ولم يكن سراً اننا ندعم كل القوى المطالبة بالتصحيح، وبحت اصواتنا حين تجمد الاصلاح. وايضا لم يكن سراً اننا كيائسين ننخرط في حلم عالمي للتقدم والحرية، لسنا مقتنعين بمعظم مستويات الاداء السياسي والثقافي للاحزاب، ولكن ماذا عن ثقافة المجتمع السياسية والدينية وهل هي مقنعة بالنسبة الينا؟ ابدا، ولذلك كان الناقد المحلي متهما بأنه يجلد ذاته ويتبرأ من تاريخه، بسبب شدة الانتقاد لتراثنا السياسي. ولكن هل نطالب بالقطيعة مع ما لا يعجبنا، ام ننخرط في سجال معه بروح التفاوض الاجتماعي؟ وما هو المستوى الذي تتسع له لحظتنا الحرجة؟
ان النقد الذي سجلناه طوال اعوام، كان متفاوتا. كثيرون منا سجلوا ملاحظات قاسية على مواقف كردستانية وعلى اطراف اخرى حليفة، لاننا لم نكن ننسى ان كردستان مثلت متنفسا سياسيا واجتماعيا وأملاً تنمويا، داخل تجربة العراق المريرة. وهي تحتضن اليوم اكثر من مليوني عربي عراقي لم يستطيعوا التواجد بأمان في باقي المناطق. لقد كان الاعتراض على القوى الكردية يتم وفق "حساب مختلف". وشخصيا بقيت انتقد بخطاب اقل حدة، وفق هذا "الحساب المختلف" والمراعي، كثيرا من القوى العربية في العراق، واتعرض للشتيمة جراء ذلك من جمهور غاضب ويائس. وافعل ذلك لانني مؤمن بأن هذه القوى حالة قابلة للتطور واصلاح الاخطاء، وهي مراكز راسخة اجتماعيا، وفاعلة في ضبط لحظة الانهيار، او تخفيف الكارثة. ولهذا لم يكن في نقدنا للمالكي اي "حساب اخر"، بل كنا مندفعين في هذا الاتجاه، لان الاخير حالة لم تكن قابلة للتطور ولا هي عنصر لضبط الفوضى، بل هو جزء من اخطر انواع الفوضى.
نعم، يتملكنا القلق حين تختل السياسة داخل الحالة الكردية، لاننا جميعا نراهن على شراكة معها. كما يتملكنا قلق مشابه من ارتباك التوازن داخل الاحزاب الاخرى التي نراهن على دورها التاريخي. ولم نكن يوما دعاة "سحل وشنق" بل مشجعين على لغة التسوية والحوار، حتى مع "الجزء الحي" من كتلة المالكي.
ان التعليق السياسي في بلدنا، هواية مجنونة، لانها تغامر بالاصطدام بسياسات اشخاص اقوياء، وقناعات مجتمع غاضب غير خبير بمنطق التعدد السياسي، في الغالب. وبالنسبة للعقلاء لن يبقى دور اكثر اهمية من تشجيع عناصر التعقل لدى الاحزاب والمجتمع، والذهاب الى اقصى حد في مواجهة الشتامين وناقصي الحكمة والمصفقين لخراب اي جزء من بلادنا، وكل منطقتنا الغارقة في ويلات حرب دولية بامتياز
حساب مختلف لكردستان
[post-views]
نشر في: 12 أكتوبر, 2015: 09:01 م