عامر القيسي في الاستبيان الذي أجراه مركز المدى لاستطلاعات الرأي العام حول المشكلات التي يعانيها الشباب العراقي ،استوقفتني نسبة إجابتين تؤشران حقيقة لحالة ينبغي التوقف عندها من قبل الحكومة ومنظمات المجتمع المدني المهتمة بهذا القطاع . فهناك 71% من الشباب المشاركين في الاستبيان عبروا عن شعورهم بالقلق و خوفهم من المستقبل و61% من العينة تعاني مشكلة الكوابيس أثناء النوم .
ومن المنطقي أن يقود الإحساس بفقدان الثقة بالمستقبل إلى توترات نفسية بالغة تنعكس بشكل تلقائي على النشاط الجواني للمخ في مرحلة الاسترخاء فتولد رموزا مرعبة تعبر في ثناياها عن الخوف سواء من الواقع الحالي او المستقبلي، وأكثر الدراسات العلمية والميدانية أثبتت أن العامل النفسي من العوامل المساعدة أو المعيقة لتواصلات الحياة بأشكالها المختلفة ، ولنتصور فقط انعكاسات نسبة حالة فقدان الثقة بالمستقبل التي يعانيها الشباب العراقي على مجمل مجريات الحياة التفصيلية وما تنتجه من سلوكيات قد تصل في بعض الأحيان إلى نوع من أنواع العدمية تقود هي الأخرى إلى عالم من اليأس الذي يؤدي إلى الانخراط في عوالم هي ابعد ما تكون عن تربية وأفكار بعض الشباب مثل الجريمة والمخدرات . البعض يعتقد أنها مشكلات آنية ومرتبطة بالظرف العراقي الحالي ، ونحن نعتقد مع هذا الرأي ولكننا نختلف معه في آنية المشكلة ومرحليتها . لقد أصبحت مشكلات الشباب ومعاناتهم متجذرة في الحياة اليومية العراقية وهي تفرز يوميا بأشكال مختلفة نتائج مختلفة أيضاً من أرضيتها التي تتنامى يوما بعد آخر ، بانعدام ليس فقط الحلول بل انعدام الاهتمام أساسا بالمشكلة الحقيقية التي يعانيها قطاع الشباب .لا يمكن البحث عن الحلول في قشور المشكلة من خلال فتح بعض النوادي أو المعونات الاجتماعية ، ولا يمكن الحديث فقط عن إيجاد فرص عمل قادمة ، المشكلة اكبر من كل هذا وأعمق من هذه الرؤية لهذه المشكلة المتعددة الأشكال والألوان والأسباب وحلولها تحتاج الى عمل منظم وتضافر إرادات وإمكانات مالية ونفسية ومجتمعية هائلة للنهوض بهذا القطاع الذي توزع على انعكاسات الحروب وضحايا الإرهاب ومشكلاته فضلا عن الإحساس بالخيبة من احتمالات التواصل المستقبلي على المستويات الحياتية كافة . وما لم نلتفت بكل جدّية لهذه المشكلات الشائكة فأن الجسد العراقي سيظل مشلولا مهما حقنّاه بالمضادات الحيوية التي ستبقى عاجزة عن القيام بمهامها ما لم تلتق مع الاستجابات الشبابية التي تمثل شرائح واسعة من المجتمع العراقي .قد لا تتوفر كل الإمكانات دفعة واحدة لكن الأهم والمهم هو أن نبدأ بالعمل المنظم والصحيح بمساهمة شريحة الشباب نفسها وفي مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتربوية . ويقع جزء من المسؤولية على عاتق أحزابنا العتيدة التي تكتفي ، للأسف الشديد ، باستخدام الشباب لأهداف ضيقة ومحدودة ذات طابع سياسي لتعمق بذلك أزمة الاستلاب عند هذه الشريحة عندما تترسخ قناعتها أنها مجرد أداة للتنفيذ وليس أداة فاعلة وخلاقة مبدعة .وينبغي ان يشرع عملنا على أساس الاستبيانات والإحصاءات والأرقام واستلهام التجارب العالمية وتحديدا التجربتين الالمانية واليابانية بعد خروجهما من آتون الحرب العالمية الثانية بحزمة ثقيلة من المشكلات البنيوية ، استطاعت الدولتان ان تجدا الحلول الناجعة لها بالتخطيط العلمي السليم بمشاركة واسعة من شريحة الشباب التي تعتبر القلب النابض للمجتمع الحي المعافى السليم.
مؤشرات مقلقة
نشر في: 10 يناير, 2010: 04:10 م