أكثر من أسبوعين مرت على نهاية العيد، وهذا الشهر المحرم يطل بمناسباته وعطله الكثيرة علينا. لم يدخل طلابنا مدارسهم بعد. الاسر وإدارات المدارس لم تتوصل إلى حلول ناجحة من جعل الدوام المدرسي يبدأ عند نقطته التقليدية في الأول من أيلول او حتى من منتصفه، وها نحن نتجاوز العشرة الأولى من تشرين الأول دونما علامة واضحة على بداية الدوام. صورة المدينة في الشارع والسوق تبدو وكأن لا بداية للدوام هذا العام، فالسوق تهيأ للعاشوراء قبل تهيئته للمدرسة. لم يمض على نهاية عيد الأضحى سوى بضعة أيام حتى سارع باعة الأعلام الحسينية والصور ومستلزمات العزاء الأخرى من قماش وسلاسل وسيوف بنصب أكشاكهم وسط الأرصفة وبين الطرق والأزقة الضيقة حتى، في تزاحم واضح لكسب المزيد من المتبضعين، لكن المشهد الذي استوقفني هو أن البعض ممن يقيمون خيامهم بدعوى أنها مواكب عزاء راح محتلاً الرصيف ليس في العاشوراء إنما على مدار السنة، بعد أن قام ببناء الدكة والمذبح والتلة والمنبر من الطابوق والسمنت ثم تجاوز على مقرنصات الرصيف يثقبها لينبت بيارقه عليها في مشهد يستوقف المارة ويعرضهم لخطر السيارات لأنه لم يبق من الرصيف شيئا لمرورهم. وقد يبدو هذا طبيعيا، لكن ان ينصب أحدهم خيميته قبالة المدرسة فهذا ما لا تبحثه مديرية التربية مع احد هنا، هي تخشى. نعم تخشى. في البصرة، المدينة التي يشترك فيها أبناء الطائفتين-السنية والشيعية- منذ مئات السنين في تقاسم العيش الآمن المشترك، نجد اليوم من بين أبناء الطائفة الشيعية من يقوم بنصب خيمة موكبه امام المسجد السني، ويجعل من مكبرة الصوت عائقا امام مصلي المسجد وقت الظهيرة وعن صلاة المغرب، فضلاً عن تجاوزات أخر لا سبيل لذكرها من خلال الخطب والاناشيد التي تبث من مكبرة الصوت بما يكرس من الفرقة والطائفية في وقت أحوج ما نكون فيها للم الشمل والمصالحة بين الطائفتين وبناء المجتمع على أساس المواطنة وحب الآخر المختلف . لم تحرك مديرية تربية البصرة ساكنا ازاء ما يُكتب ويُعلق من يافطات على أسيجة المدارس فيها، يافطات تحث على العنف ضد المرأة والتقليل من شأنها وأخرى تتوعد من تضع الماكياج ومن تتخلف عن صلاتها فضلاً عن اليافطات والصور التي تنبعث منها روائح الطائفية وكراهية الآخر. وكيف تحرك المديرية هذه ساكنا وهي في أدنى مراحل تراجعها بعد أن تدنت نسبة النجاح فيها إلى ما دون الـ 40% ونصاب بالخيبة نحن أبناء الخمسينات والستينات من القرن الماضي إذا دخلنا ذات المباني المدرسية التي درسنا فيها ذات يوم أي قبل نحو من نصف قرن، فلا المدرين ولا المعلمين بالصورة التي كانوا عليها أساتذتنا آنذاك. لقد تراجعت الصورة كثيرا. في فعل يشبه ذلك، يرى مستعملو الطريق بين البصرة والزبير أن باعة الماشية قاموا بقطع أشجار الاكينوكابرس التي غرستها البلدية أيام محافظ المدينة المرحوم محمد مصبح الوائلي على الرصيفين، ليجعلوا من أغنامهم مرئية ومشاهدة من قبل المشترين، في استعراض يعاينه المسؤولون في المحافظة كل يوم دون أن يستوقفهم التجاوز الصريح هذا على اموال الدولة وحق المواطنين في المساحات الخضر. ومن يقف على ذلك يرى بأم عينه كيف أن هؤلاء ينحرون الاضاحي وخراف المناسبات على الرصيف وكيف يتم رمي بقايا الذبيحة هنا وهناك. أما مشاهد قضبان البيارق والمخيمات والصحيات التي تبنى على الطرق من الطابوق والسمنت والصفيح كل عام ثم تترك سنة كاملة فهذا ما لا يحرك ضمير البلدية او أي مسؤول في الحكومة.
العيد العاشوراء والمدرسة
[post-views]
نشر في: 13 أكتوبر, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...