اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > جئناكم بالتفتيت

جئناكم بالتفتيت

نشر في: 13 أكتوبر, 2015: 09:01 م

للاسبوع الثاني، تواصل دوائر صنع القرار والمجتمع السياسي في الولايات المتحدة حيرتها بشأن تقييم التدخل الروسي في سوريا والمنطقة. فقد ازدحمت الصحافة الاميركية بردود افعال متباينة حول مغامرة بوتين في بلاد الشام وتأثيراتها على توازن القوى في منطقة الشرق الاوسط والعالم.
من ابرز الذين علقوا على الانخراط الروسي في القضية السورية، هما كل من كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الاميركية السابقة، وروبرت غيتس، وزير الدفاع الاسبق حتى 2011. وعلى الرغم من ان المقالة المشتركة تعكس، بشكل كبير، الرؤية الجمهورية التي تطالب الرئيس اوباما بالخروج من تردده ازاء ازمات الشرق الاوسط، لا سيما فيما يتعلق بتنامي تهديد داعش، والعمل على خلق حقائق على الارض من خلال التدخل المباشر على الارض.
لكن المقالة في الوقت ذاته تضمنت اعترافا مبطنا بوجود مقاربة مختلفة للتدخل في المنطقة تتقاطع، بشكل جذري مع المقاربة الاميركية، التي يحرص على تبنيها الجمهوريون والديمقراطيون وان باشكال متفاوتة، كما تتضمن المقالة اعترافا غير مباشر بفشل الاخيرة.
ويكتب الوزيران رايس وغيتس "علينا رفض الحجة القائلة إن بوتين يتصرف كرد فعل على حالة الاضطراب والفوضى السائدة في العالم حالياً، وأن ما يقوم به في الوقت الراهن يهدف إلى المحافظة على منظومة الدولة في الشرق الأوسط"، واضافا "فما قام به بوتين في حقيقته، هو محاولة لملء الفراغ الناشئ عن التردد الأميركي في الاشتباك مع الأوضاع في دول مثل ليبيا، وترددها في استكمال مهمتها في العراق".
ويبدو واضحا من النص اعلاه، محاولة الوزيرين الجمهوريين القفز على الحقائق التي خلفها التدخل الاميركي في العراق وليبيا تحديدا، والذي اسفر عن تفتيت الدولة وتفكيك ما كان متماسكا تحت حكم ديكتاتورية صدام والقذافي. ويعود الانكار الجمهوري بالاساس الى محاولة الهرب من تحمل المسؤولية الاخلاقية عما وصلت اليه المنطقة من انقسامات عرقية وطائفية انتهت بظاهرة داعش التي يتم تسويقها، اميركيا، كافراز للاستبداد واحتكار السلطة وتغييب المكونات، وليس كثمرة لتدمير الدولة في اكثر من بلد.
على ان تفتيت بناء الدول والتعاطي معها على اساس المكونات والهويات الفرعية لم يكن نهجا يقتصر حضوره على خطاب متطرفي "المحافظين الجدد"، فهذا الكاتب توماس فريدمان، المقرب من الرئيس اوباما، يتعكز على الصراع الطائفي في المنطقة واضعا الاندفاع الروسي في اطاره، عبر مقالته الاخيرة التي نشرت في صحيفة نيويورك تايمز.
وفي معرض الدفاع عن رؤية اوباما بالابتعاد عن مشاكل المنطقة، يدعو فريدمان، منتقدي الاخير، الى ترك الرئيس الروسي بوتين "فوق الشجرة" لمدة شهر. ومن ثم يعود ليقول ان "السماح لبوتين بضرب تنظيم الدولة ودعم الرئيس السوري بشار الأسد، يعني انه يستعدي كل مسلم سني في منطقة الشرق الأوسط"، ويضيف ان "المسلمين السنة يشكلون الأغلبية الساحقة في سوريا، وهم الطائفة المهيمنة في العالم العربي، وسينظرون إلى بوتين روسيا على أنه حامي حمى الأسد، مجرم حرب علوي، شيعي موالي لإيران، وسينفّر بوتين منه عالم المسلمين السنة بأسره، بما في ذلك المسلمين الروس".
وتعكس المقالتان تطابق الرؤيتين الجمهورية والديمقراطية في مقاربة ازمات المنطقة على اساس تفكيكها الى مكونات ما قبل الدولة، واستحضارهذه الاجزاء بطريقة استشراقية فجة لحظة التفكير بحلول عادة ما تفضي الى توسيع الازمة وتفاقمها لا معالجتها!
واذا ما وضعنا جانبا الانظمة الديكتاتورية المدانة بدورها بكل تأكيد ووضوح، فان منطقتنا تشهد صراعاً محموماً بين مشروعين، ينتصر الاول للدولة بوصفها الاطار الوحيد للتنوع الاثنوطائفي، وبين مشروع يضع المكونات في مرتبة اعلى من الدولة التي تساعد هشاشاتها المزمنة على تحولها الى دويلات متصارعة متقاتلة ومفلسة حتى لو امتلكت ثروات العالم تحت اراضيها.
وسط هذا الانقسام والاستقطاب الدولي في منطقتنا، ليس من قبيل الصدفة ان يلتقي الاتجاه الثاني مع فكرة "الارض الموعودة" و "دولة الخلافة"، فكلاهما يرفع شعار "جئناكم بالتفتيت"!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram