الساعة تُشير قرابة التاسعة صباحاً وعشرات سيارات الحمل أو ما يُعرف بالشاحنات متوقفة على مقربة من سيطرة مدخل بغداد من جهة اليوسفية، كان ذلك في طريق الذهاب الى النجف. في اليوم التالي صادف عودتي ما بعد الظهر قرابة الساعة الخامسة عصرا حيث تتحول العشرات من الشاحنات الى مئات وربما تجاوزت الألف وبضع مئات. فالشاحنات متوقفة من مدخل العاصمة بغداد حتى سيطرة الجسر أو ما يُعرف بسيطرة المسيب التي تبعد نحو 35 كيلو مترا عن سيطرة مدخل بغداد.

 

الحــرّ والابتزاز

ابو ضرغام البصري عرّف نفسه يقول: بسبب عطل اضطررت الى التوقف في الطريق الأمر الذي حرمني دخول العاصمة في الوقت المحدد صباحاً ، مطالباً بضرورة مراعاة وضعهم الحالي وانتظارهم لساعات عــدة في العراء! مشيراً الى معاناتهم ايام الصيف القائظ وكيف ترك الحرّ أثره السلبي على صحة الكثير منهم.

اما ضياء العكيلي فقد أشار بحديثه الى العراقيل التي تصادفهم في الطريق من مفرزات الطرق الخارجية سواء كانت الأمنية او المرورية، وكيف يحاول البعض من الضباط والمنتسبين ابتزازهم، داعياً الى حل مشكلتهم في دخول المدن من خلال تشييد ساحات تبادل تجاري تتيح لهم العودة الى بيوتهم سريعاً.

مجلس محافظة بغداد اعلن العمل على إقامة سبع ساحات تبادل تجاري بأطراف العاصمة، معتبرا ان ذلك يُسهم في تعزيز الأمن وتأمين فرص عمل للعاطلين، ويُحدث هجرة عكسية نحو الأطراف لانتعاش الحركة التجارية فيها. وقال محمد الربيعي في حديث لـ(المدى) إنه تبنى مشروعاً لإقامة ساحات تبادل تجاري في أطراف العاصمة، لمنع دخول الشاحنات الكبيرة إلى شوارع بغداد، مضيفاً: إن قيادة عمليات بغداد رحبت بالمشروع مبيناً أنه عقد سلسلة اجتماعات مع سائقي الشاحنات للوقوف على وجهة نظرهم ومقترحاتهم وتضمينها في دراسة المشروع ضماناً لعدم تضرر أي طرف.

المشروع يتضمن إقامة سبع مناطق للتبادل التجاري بواقع ساحتين في جرف النداف، وواحدة في كل من اليوسفية والرستمية وأبي غريب وبوب الشام والشعب حيث أكد الربيعي أن الدراسة تلزم الشركات المستثمرة بتوفير المستلزمات الضرورية ومنها الخدمية والصحية والأمنية من خلال شركات متخصصة، فضلاً عن مخازن مطابقة للشروط القياسية.

 

الوقت لا يكفي

سبق وأن ناشد قرابة 4000 سائق شاحنة رئيس الوزراء د.حيدر العبادي بالسماح لهم بالدخول الى بغداد، بعد ان يسمحوا لهم بالدخول عبر سيطرة الصكار في ناحية النخيب . وقال السائق محمد سلمان الذي اوقف شاحنته قرب شاحنة ضياء العكيلي عند مدخل بغداد: انهم احتجزوا قبل فترة في سيطرة النخيب لأيام عــدة بحجة انهم جاءوا عبر مناطق مسيطر عليها من داعش، مضيفا: طلبنا منهم اجراء التفتيش والسماح لنا بالمغادرة إلا ان البعض منهم وضع عراقيل عـدة أمامنا، لافتا الى ان مشكلتهم الكبرى تبقى في دخول العاصمة بغداد.

اما حسن فاهم فقد طالب بضرورة مراجعة قرار عمليات بغداد والقاضي بدخول الشاحنات والتريلات بعد الساعة 12 ليلا الى الساعة 6 صباحاً، مبيناً ان الوقت لا يكفي في بعض الأحيان لتفريغ الحمولة فقد يصادف ان تكون هناك اكثر من شاحنة محمّلة لتاجر او لشركة معينة.

 

حمولات كبيرة وقوانين صارمة

الكثير من الشاحنات لا تلتزم بالكمية المحددة والمسموح بها للسير في الشوارع العامة والسريعة الأمر الذي تسبب بتخريب اغلب تلك الشوارع بسبب ساعات التوقف العديدة، اذ كان في سيطرات الدخول او في السيطرات الرئيسة في الطرق السريعة. عن ذلك يقول مهندس الطرق زياد كريم: ان الكثير من سيارات الحمل (الشاحنات) تسببت بإحداث أضرار وتخسفات في الطرق الفرعية والرئيسة والسريعة التي تربط العاصمة بالمحافظات او المحافظات ببعضها البعض، مبينا: ان السبب يكمن في الحمولات الكبيرة لهذه الشاحنات، مشيرا الى كارثة حقيقية اذا استمر الأمر ، لأن أغلب المجسرات قديمة الإنشاء وغير مؤهلة ولم تجرِ عليها عمليات صيانة مما يؤدي الى انهيارها. 

ودعا المهندس كريم الى ضرورة وضع قوانين صارمة من الجهات المعنية وإجبار اصحاب الشاحنات بالالتزام بها، بما يخص تحديد وزن الحمولة، مضيفا: مع أهمية استحداث طرق جديدة وحولية في بغداد وبقية المحافظات وانشاء مجسرات من شأنها استيعاب الأعداد المتزايدة من السيارات والاسهام في تخفيف الضغط عن الطرق والشوارع الفرعية والرئيسة.

 

محطات وزن الاستثمار ؟!

وزير الإعمار والإسكان والبلديات طارق الخيكاني أعلن ان محطات الوزن الخاصة بسيارات الحمل في محافظة البصرة ستدخل العمل في الاول من الشهر المقبل ما يمنع دخول سيارات الحمل ممن تتجاوز حمولتها الحد القانوني الى شوارع المحافظة.

وقال الخيكاني في بيان صحفي اطلعت (المدى) على نسخة منه ان تلك المحطات تم احالتها الى مستثمر وستدخل العمل من اجل الحفاظ على الشوارع وعدم تخريب البنى التحتية للبصرة موضحا ان المستثمر سيجبي ضريبة دخول من تلك المركبات فيما يحوِّل مبلغ خمسة مليارات ونصف مليار دينار الى الحكومة تخصص 40 بالمئة منها الى حكومة البصرة المحلية لغرض صيانة الشوارع المتضررة.

مديرية طرق وجسور ذي قار تعلن ان محطات الوزن الاربع عند مداخل المحافظة كفرصة استثمارية ، وذلك للمرة الثانية بعد عرض اول لم يتقدم إليه أي مستثمر حيث أكد مدير طرق وجسور ذي قار المهندس كاظم السهلاني في تصريح صحفي : تم عرض وللمرة الثانية مزايدة تشغيل محطات الوزن الأربع الموزعة في مداخل المحافظة من خلال الهيئة العامة للطرق والجسور وعبر مديريتها في ذي قار، مضيفا: على الراغبين بالدخول في المزايدة الحضور إلى مقر المديرية في الناصرية، لافتاً الى أن آخر موعد لتقديم العطاءات هو السادس من تشرين الثاني المقبل.

وأوضح السهلاني: أن كلفة المحطات الأربع قرابة الخمسة مليارات دينار ذات منشأ بريطاني وتبلغ جهوزية محطات الوزن نحو ٩٩٪ والنسبة المتبقية تأثرت بسبب ترك المحطات من دون عمل منذ انجازها وحتى الآن،التي شملت أعطالا في الأبواب والنوافذ،على ان يتحمل من ترسو عليه المزايدة أعمال الصيانة .

 

حولـّي بغداد متى؟

الشركة العامة للنقل البري أعلنت عن عزمها تنفيذ مشروع حولـّي بغداد عام 2016 المقبل، بعد الانتهاء من وضع تصاميمه، وأكدت أنه سسهم بتطبيق قرار منع دخول الشاحنات إلى العاصمة، والحفاظ على شوارعها وتخفيف الزخم المروري والمحافظة على البيئة، واشارت إلى أن تشغيله سيكون مشتركاً بينها وبين مالكي الأراضي.

وقال المدير العام للشركة التابعة لوزارة النقل، عباس عمران، في حديث لـ(المدى برس) إن الشركة أنهت وضع التصاميم الخاصة بمشروع حولـّي بغداد، الذي يقع شمالي العاصمة والذي سيخصص للحمولات الداخلة للعاصمة، مبيناً أن المشروع يبدأ من بوابة بغداد خارج حدود أمانة بغداد، شمالي العاصمة، ويضم ساحات كبيرة ومتكاملة مسيطراً عليها الكترونياً، ومخازن مبردة ومجمدة وأخرى مكشوفة وأماكن لمبيت سائقي الشاحنات وفندق ثلاث نجوم، فضلاً عن ساحة خاصة لعجلات التجار، ومسبح ومصلى وورشة صيانة ومحطة وقود وأجهزة فحص وموازين جسرية.

وأضاف عمران: أن العمل بالمشروع سيبدأ عام 2016 المقبل، عن طريق التشغيل المشترك بين الشركة ومالكي الأراضي، مشيرا إلى أن الوزارة دعت كل مَن يملك أرضاً مساحتها 100 دونم أو أكثر في اطراف بغداد ومنافذها الخمسة، للاتفاق معها بموجب آليات معينة بهذا الخصوص، موضحاً: أن المشروع يُسهم بتطبيق قرار منع دخول الشاحنات التي تتجاوز حمولتها خمسة أطنان إلى بغداد، والحفاظ على شوارع العاصمة وتخفيف الزخم المروري فيها، من خلال إيواء العجلات الكبيرة والحمولات، وتوفير المخازن المعفرة من الأوبئة، والمحافظة على البيئة.

 

الأضرار العامة والفسـاد

عدد من سائقي الشاحنات شكوا من تسليبهم على طريق العظيم مرات عــدة الأمر الذي دعاهم الى السير وقت الصباح فقط مع تواجد القوات الأمنية بكثافة! آخرون شكوا ابتزازهم من قبل بعض عناصر السيطرات او من قبل رجال المرور والأمر ذاته تكرر في سيطرة مدخل بغداد القديم من جهة المشتل! 

عن ذلك يقول نائب محافظ بغداد جاسم موحان البخاتي ان مسؤول الفرقة الاولى اتخذ قراراً بنقل عدد من ضباط السيطرات في منفذي اليوسفية وكذلك مدخل بغداد - الكوت، بسبب قيامهم بابتزار السواق من خلال دفع مبالغ مالية لقاء تسهيل دخولهم الى بغداد، لافتا الى ان سائقي الشاحنات قاموا بتشخيص الضباط الموجودين في السيطرات الذين تعمدوا ابتزازهم مقابل دخولهم الى العاصمة.

وأوضح البخاتي: ان هؤلاء الضباط ستتم معاقبتهم اداريا وبعدها يتم نقلهم الى اماكن اخرى من اجل عدم السماح بتكرار حالات الابتزاز، مضيفا: ان اتخاذ قرارات نقل وإقالة وعقوبات بشكل آني يُعد جزءاً من حركة الاصلاحات التي باشرت بها الحكومة بجميع مفاصلها، لاسيما الجانب الأمني.

وبشأن وقت الدخول قال البخاتي: بعد التظاهرات الاخيرة لسائقي الشاحنات تم الاتفاق مع قيادة عمليات بغداد بتحديد وقت الدخول من 9 صباحا وحتى 12 ظهرا، ومن 2 بعد الظهر حتى 4 عصراً ومن 6 مساءً الى 8 ليلا ويستمر بعد ذلك. مبينا: لكن للاسف بعض السيطرات تعمل وفق رؤاها الخاصة! وبشأن محطات الوزن التي يمكنها السيطرة على الحمولات الثقيلة التي تسبب اضراراً للشوارع العامة؟ 

قال البخاتي: بسبب منطق الرشوة لم يعد بالامكان السيطرة على شيء، لافتا: ان سائق أي سيارة حمل يمكنه اعطاء مبلغ من المال وتسجيل الرقم والوزن الذي يريده، منوِّهاً: ان الشاحنات الكبيرة سببت اضراراً بالغة للشوارع خاصة تلك التي بُلـِّطت حديثاً.

 

 

 

فارزة

 

انقضت سنوات عـدة ونحن نسمع الوعود تلو الوعود والمشاريع تلو المشاريع، وتحدد التواريخ وتمضي التواريخ ولا أثر للوعود ولا إيفاء للعهود التي قُطعت يوم التنصيب ونيل المنصب! ومن تلك الوعود التي باتت أحلاماً، السير بشوارع مبلـَّطة ونظيفة خالية من الحفر والمطبات التي غالباً ما تكون نتيجة أعمال "إعمار" وتأهيل مثلما تُسمى من قبل الجهات المسؤولة، لكنها بالأساس أعمال تخريب للشوارع التي تخلـَّصت من العبوات الناسفة التي تُزرع على طرفيها، لتقع تحت رحمة حمولات الشاحنات الكبيرة، وساعات الانتظار سواء كانت عند دخول المدن او أثناء الزحامات التي تسببها تلك الشاحنات!!
مجلس محافظة بغداد أعلن للمرة الخامسة أو السادسة أنه يعمل على إنشاء ساحات التبادل التجاري عند مداخل العاصمة كما مذكور آنفاً. والمفارقة العجيبة بالأمر انه يريد طرح الساحات للاستثمار، وكأنه يقوم ببناء ناطحات السحاب وليس ساحات مفتوحة تضم بعض المواقف والمخازن وحتى ان جاءت ضمن المواصفات المعلنة فبإمكان أية شركة حكومية إنشاء عشرات الساحات، لكن وتباً لهذه (اللكن) التي ما عادت تقوى على فعلها اللغوي والمجازي أمام الكم الهائل من طروحات الجهات الحكومية التي تريد تحويل كل شيء بيــد حفنة من التجار ومجموعة من الشركات التي تعود نسبة كبيرة من أسهمها الى جهات وشخصيات سياسية؟!المفارقة الأخرى والأكثر عجباً حين أعلنت محافظة ذي قار طرح محطات الوزن التي اُنشئت من المال العام للاستثمار وطرحها للمزايدة العلنية! مثلما معلوم هناك استثمار او ما يُعرف بالمساطحة، الدولة توفر الارض والجهة المستفيدة من المشروع تُنشئه وتُديره لفترة معينة يتم الاتفاق عليها بعد ذلك يعود للدولة التي تستحصل أثناء عمل المشروع نسبة من الارباح، لكن الجهة التي تحيل كل المشاريع الى الاستثمار إما فاسدة او لا تصلح للإدارة وكل واحدة أتعس من الأخرى!
اما محافظة واسط التي اعلنت قبل فترة انها ستعمل بمحطات الوزن تُعلن توقف الأمر بسبب مطالبات سائقي الشاحنات وهو أمر مثير للغاية حتى تستجيب جهة مسؤولة عن تنفيذ القانون للجهة التي يُنفذ عليها!
أضرار الشاحنات الكبيرة بحمولاتها المسموحة وغير المسموحة لم تتوقف على الاضرار بمداخل المدن والشوارع العامة فقط، بل تعدت ذلك الى الشوارع الفرعية في الأحياء والأزقة، اذ يضطر البعض من السائقين الى أخذ الشاحنة لبيته الأمر الذي يسبب إرباكاً كبيراً لحركة السير في المناطق السكنية التي تشكو من ضعف الخدمات بصورة عامة، يضاف الى ذلك التلوث الذي تسببه من خلال عوادمها التي غالبا ما تكون خارجة عن الضوابط، واعتقد ان العاصمة يكفيها تلوثها الحالي جراء معامل الاسفلت والغاز المنتشرة في شتى انحائها. تبقى اكثر قطاعات الحياة العراقية الى فترة غير معلومة ولا محدودة بسبب غياب الرؤى العلمية والعملية، مع فقدان ستراتيجية الدولة في كل قطاع يرافق ذلك غياب عقليات التطوير بسبب فقدان عامل الاندفاع نتيجة التراكمات السياسية التي تتوالى، يضاف الى ذلك أطماع الكثير من القوى السياسية أحزاباً كانت أم شخصيات بمؤسسات الدولة عامة !!