TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قصة كتاب اسمه "قبل خراب البصرة"

قصة كتاب اسمه "قبل خراب البصرة"

نشر في: 20 أكتوبر, 2015: 09:01 م

انتظرتُ طويلاً قبل أن اكتب عن قصة الطبعة الثانية لكتابي (قبل خراب البصرة) أردت ان اتسلم النسخ الأولى منه قبل أن احكي حكاية الوفاء الطويلة، التي كانت وراء الطبعة الجميلة هذه. أما وقد وجدت أمس في صندوق بريدي نسختين أو ثلاث نسخ منه فقد توجب عليَّ انْ أقول: بان الكتاب لم يكن ليرى النور لولا جهود ثلاثة من أجمل وأصدق الناس. الكاتبة والشاعرة والمترجمة السيدة مي مظفر وأستاذا التشكيل العلمان الكبيران: ضياء العزاوي وأبن مدينتي علي طالب.
في البدء، علي ان أقول إن الصديق الشاعر والكاتب جمال كريم كان وراء الطبعة الأولى التي صدرت مطلع العام 2012 فهو الذي أخذ مخطوطة الكتاب إلى دار آراس بأربيل، أيام كان يرأس أحد أقسامها، ومن بين يديه خرج الكتاب انيقا جميلا، بعد أن حظي بعنايته الكريمة.
بعد ذلك، يحدث أن تصل نسخة منه إلى يد الكاتبة السيدة مي مظفر منقولة بحقيبة الفنان التشكيلي المبدع صدام الجميلي من البصرة إلى عمان، وهناك تم التبشير به كواحد من المطبوعات التي احبّها الاصدقاء، وكانت تصلني اخبار الاعجاب به حتى أن الكبير الفنان رافع الناصري(رحمه الله) كان كتب في 4 حزيران 2013بعد قراءته للكتاب مادة استحضر فيها البصرة في الستينيات والسبعينيات، حين كان يزورها قاصداً شقيقه الطبيب منير الناصري، تنقل خلالها بين ضواحي المعقل حيث محطة القطار وأبي الخصيب حيث شط العرب وبساتين النخل وقوارب الصيادين. وكيف أنه نفذ فيها بعضاً من أعماله وتخطيطاته.
قبل عام تقريبا اتصلت بي السيدة مي مظفر تستعلم مني ما إذا كنت اود إعادة طبع الكتاب في دار معلومة، قلت لها مبتهجاً: نعم، بودي ذلك لكن دور النشر العربية ستطلب مني مبلغاً قد لا املكه، وتوقفت النية عند النقطة هذه، وفي احاديث جانبية هنا وهناك اتصلت بي مرة ثانية لتعلمني بأنَّها كانت قد اعطت الفنان ضياء العزاوي، الذي يقيم في لندن منذ قرابة الثلاثين سنة نسخة من الكتاب وهما صديقان منذ أمد بعيد، وحدث أن أعار العزاوي النسخة نفسها للفنان علي طالب، ثم أن الصديق التشكيلي صدام الجميلي أعلمني بأن الكتاب صار يدور في الوسط الثقافي والتشكيلي بعمان، ويتحدث به الاصدقاء هناك بوصفه كتبابا يمنح القارئ صورة المشهد البصري في مرحلة ما، ثم أن عنوانه يثير حفيظة الباحث عن المدن العراقية الضائعة، التي خربتها الحروب وعبثت بها متوالية السياسات السيئة. ووسط هذا تخبرني مي مظفر بأن ضياء العزاوي سيتكفل ثمن طباعته وان الفنان علي طالب سيصمم الغلاف. لم أشأ النوم ليلتها، فقد غمرتني سحب السعادات.
وتتوالى المراسلات بيننا( مي، العزاوي، علي طالب وانا) فيرسل لي علي طالب عبر بريد السيدة مي تصاميم مقترحة وتخطيطات للصفحات الداخلية، وتقترح عليَّ مي شيئاً وينفذ علي طالب تصميما جديداً، وتبعث لي مي بنسخة (الدرفت) بغية تصويبات نهائية. وهكذا حتى قرَّ قرارنا الأخير على الغلاف والخطوط الداخلية وتكون المؤسسة العربية للدراسات والنشر محطته الأخيرة ليخرج منها كتاباً بحلة عربية جديدة.
قد تبدو قضية كهذه تقليدية في مكان ما، وهناك من الشعراء والكتاب في العراق والخليج وغيرها من بلدان العرب من يطبع من ماله الخاص عشرات الكتب، وقد تتبرع مؤسسات خيرية أو تجارية ويقوم رجال أعمال بطباعة كتب في مختلف الاختصاصات لكنني أتوقف متأملا المشهد الخاص بي، فأنا حتى اللحظة هذه لم ألتق بشكل مباشر بالكبيرة العزيزة السيدة مي مظفر وكذلك لم يجمعني مجلس بالعلمين الكبيرين ضياء العزاوي وعلي طالب، ولم يكن بيني وبينهم سوى مخطوطة الكتاب الذي اعجبهم، فآثروا مجتمعين أن يعيدوا طباعته، في ظن منهم بانَّ طباعته ثانية ستضيف للمكتبة العربية شيئا ذا اهمية.
لا أريد أن اتقدم بشكري لهم، فهذا امرٌ قد يبدو شخصيا جداً، وقد تبادلنا عبارات الشكر والعرفان خلال العيد الماضي. لكنني أنحني للوفاء وللأنفس الكبيرة التي جعلت من الكتاب متداوَلاً ، أنحني للحنو وأحتفل على طريقتي الخاصة بالوفاء والأمل والثقة التي وجدتها عندهم. وأعتقد بأن درساً بليغا ومهما سنتعلمه ونعلمه لأجيالنا. الدرس يقول: بان رعاية الثقافة ليست ترفاً وحديثا عابراً، ليست استعراضاً للمال والوجاهة إنما هي مسؤولية وأمانة لا يتحمل عبئها إلا الكبار.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي

إدارة الاقتصاد العراقي: الحاجة الملحة لحكومة اقتصادية متخصصة

د. سهام يوسف بعد مصادقة المحكمة الأتحادية على نتائج الانتخابات الأخيرة، يقف العراق على أعتاب تشكيل حكومة جديدة. هذه الحكومة ستكون اختبارًا حقيقيًا لإصلاح الاقتصاد العراقي المتعثر، حيث تتوقف عليه قدرة البلاد على مواجهة...
سهام يوسف علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram