حازم مبيضينبعد خمسة أعوام على اتفاقية السلام، وإنهاء الحرب الأهلية بين الاخوة الأعداء في شمال وجنوب السودان، والتي امتدت أكثر من عشرين عاماً، فان الواقع المؤلم يقول إن الاتفاق لم يكن بمستوى الطموح، أو أن تنفيذه كان محاولة لتفريغه من مضمونه،
ولهذا فان الشارع السوداني عند حلول ذكرى الاتفاق بدا غير معني بخلافات شريكي الحكم، الذين فشلا في التخلص من عقدة عدم الثقة بينهما، وفشلا في تنفيذ متطلبات اتفاق السلام من تنمية وتحول ديمقراطي، رغم أن الجميع تغنى بأنه حدث تاريخي . بني الاتفاق على قاعدتي التحول الديمقراطي ومصير الجنوب، ورغم أن الحزب الحاكم كان طرفاً فيه، فان الجنوبيين يتهمونه برفض المضمون، وأنه تبعاً لذلك ليس هناك سوداني يرى مستقبلاً إيجابياً للسلام رغم توقف المعارك، والواضح أن استبعاد القوى السياسية من المشاركة في تحقيق السلام يمثل جزءاً من الأزمات التي ما تزال تعترض تنفيذ الاتفاق حتى الآن، كما أن من الواضح أن طرفي الاتفاق ظلا يناور كل منهما لتحصيل بعض المكاسب على حساب الطرف الأخر الذي يقاوم مثل هذا الطموح ما أدى إلى عدم تحقيق السلام، وهو ما يشعر المجتمع الدولي بالخوف من العودة إلى ميادين القتال في أي لحظة. يقف السودانيون اليوم أمام استحقاق الاستفتاء على انفصال الجنوب، في حين تزداد المخاوف من أن يؤدي الانفصال إلى ظهور مشاكل ذات صبغة جنوبية، تتعلق بالانقسامات القبلية، وغياب الأمن خارج المراكز الحضرية، إضافة إلى أن الحكومة المنتظرة تفتقر إلى الخبرة، وبما يوحي مسبقاً أن جنوب السودان المستقل قد يجابه بمشكلات يبدو غير قادر على حلها، ويخشى الجنوبيون اليوم أن تشهد الايام القادمة اقتتالاً كبيراً وصراعاً متزايداً على أسس قبلية، خصوصاً ونحن نلاحظ ازدياد المناورات السياسية، مع اقتراب موعد الانتخابات والاستفتاء، وبما يؤكد ضرورة توفير درجة عالية من التعاون لتشكيل دولة جديدة تحظى بمقومات البقاء. الجنوبيون لم يتمكنوا حتى اليوم من بناء جيش منضبط قادر على ضبط الأمور، وقد أشار تقرير صادر عن معهد السلام الأمريكي، وهو مركز أبحاث مستقل إلى أن "كثيرا من الجماعات تساورهم شكوك بشأن قدرة الجيش على حماية المجتمعات غير المسلحة وينظرون لجهود نزع السلاح على أنها متحيزة وغير متماثلة،في حين قال تقرير لمنظمة "اي كي في باكس كريستي"، وهي منظمة هولندية غير حكومية إن الجيش بشكل عام ليس جيشاً موحداً، ولكنه مجموعة من الميليشيات السابقة والجماعات العرقية، وهناك حاجة مستمرة لإحداث توازنات للحفاظ على وحدته"، وبالتالي فان الجيش الجنوبي غير القادر حتى اليوم على دفع مرتبات جنوده ويشهد اقتتالاً داخلياً، ويتهم بانتهاكات لحقوق الإنسان، لن يكون عوناً لحكومة الجنوب المستقل، بقدر ما سيكون عبئاً عليها وعلى المواطنين في آن معاً . ويعاني الجنوب اليوم من هجرة الوافدين من شرق أفريقيا الذين يشكلون جزءا حيويا من اقتصاده الناشئ، جراء معاناتهم من المعاملة الفظة، كما أن معظم السودانيين الشماليين قد غادروا بعد تعرض شركاتهم لهجمات منذ عام 2005، وتعاني بعض الأحزاب السياسية من المضايقات، كاعتقال زعمائها وإغلاق مكاتبها، ويواجه الصحفيون تحرشات تتعارض مع حرية الصحافة التي يكفلها الدستور، ويخشى كثيرون من اشتراطات ترخيص وسائل الإعلام المتشددة التي يضعها قانون مقترح للإعلام يتم الحديث عنه قبل أن يتمكن الزعماء الانفصاليون من إقناع مواطنيهم بالتصويت للانفصال. لسنا بالتأكيد مع إيقاع الظلم بالجنوبيين، وإذا كان انفصالهم سيوفر لهم حياة كريمة، ويريح الشمال من أكلاف الحرب المادية والبشرية، فأهلاً بالانفصال، لكن المؤشرات تؤكد أن لا أحد سيستفيد من هذا الانفصال.
خارج الحدود: السودان في مواجهة لحظة الحقيقة
نشر في: 10 يناير, 2010: 06:13 م