سلّم الرواتب الجديد جعل الكثير من العراقيين يستذكرون لعبة "الحيّة والدرج". منذ صدور القرار دخل الموظفون في دوامة حساب الدخل الشهري والنفقات، ففشلوا في الخروج بنتيجة ايجابية تضمن لهم امكانية تلبية متطلباتهم المعيشية، نظمت تظاهرات احتجاجية وهناك من لوّح بالاعتصام خاصة ان اساتذة الجامعات الرسمية كانوا الفئة الاكثر تعرضا للضرر بحسب احاديثهم في تقارير مصورة بثتها الفضائيات، فكان سلّم الرواتب بالنسبة لهذه الشريحة مثل لعبة الحيّة والدرج اعادتهم الى نقطة الصفر. مقابل رغبتهم في التعبير عن مطالبهم، اصدر رؤساء جامعات اوامر تقضي بفصل المتظاهرين من الخدمة، التهديد واضح لا يحتاج الى تعليق، لكنه يكشف عن مستوى العقول المسؤولة عن ادارة الجامعات في زمن العراق الديمقراطي.
سلم الرواتب الجديد سيوفر اكثر من مليار دولار في حال تطبيقه على حد قول وزير المالية هوشيار زيباري، خضع القرار الى تفسيرات سياسية عبرت عنها تصريحات اعضاء في مجلس النواب، فمنهم من استبعد تنفيذه مطلع الشهر المقبل، لان رئيس مجلس الوزراء يتعرض لضغوط كبيرة لإلغاء سلم الرواتب الجديد، والدوائر الرسمية حتى الان لم تتسلم اية تعليمات بهذا الخصوص. وفريق آخر حمّل مجلس الوزراء كل التبعات القانونية اذا طبق سلم الرواتب الجديد "لأنه سيكون سببا في حصول انهيار معيشي لاعداد كبيرة من الموظفين ويشجع الكفاءات العلمية على الهجرة الى الخارج. "
المرجعية الدينية في النجف بدورها طالبت الحكومة بدراسة سلم الرواتب من قبل اصحاب الخبرة والاختصاص بصورة شاملة "لكي يتضمن تحقيق العدالة بالنسبة للجميع وعدم وقوع الغبن على احد، لاسيما على شريحة مهمة كأساتذة الجامعات واصحاب الكفاءات العلمية الذين يعول عليهم في اعداد الجيل الجديد."
في سنوات القحط وشح الغذاء كان العراقيون من سكنة القرى والارياف يمتلكون معاييرهم الخاصة في قياس مستوى الكارثة، فحين يقول شخص ان الفرس بدأت "تعلس بجلالها" فمعنى ذلك ان الاوضاع وصلت الى مستوى الكارثة ولا خيار متاحا امام الجياع سوى الرحيل الى منطقة اخرى او شد الحزِم على البطون او انتظار رحمة الله لحين حصول الفرج.
آراء خبراء الاقتصاد حول سلم الرواتب تلخصت بضرورة اعتماد قرارات لا تلحق اضرارا برواتب صغار الموظفين، وتشريع قوانين جديدة تسهم في تشجيع الاستثمار، واسترجاع كل عقارات الدولة الخاضعة لسيطرة الاحزاب المتنفذة تمهيدا لطرحها للبيع او الايجار، القضية الاخرى تفعيل الاجراءات القضائية في ملاحقة المتورطين بالفساد المالي المقيمين في الخارج، وهؤلاء هم "علّاسة المال العام ".
مسؤولون سابقون فضلا عن شخصيات سياسية متهمون بعشرات القضايا غادروا البلاد منذ سنوات، هربوا بمليارات الدولارات وعجز القضاء عن ملاحقتهم، جعلوا العراق مثل الفرس "تعلس بجلالها" فصدر قرار اعتماد سلم الرواتب الجديد، لم يشمل "علّاسة المال العام " لتمتعهم بحصانة الخدمة الجهادية، اللهم وفقهم.
"علّاسة" المال العام
[post-views]
نشر في: 26 أكتوبر, 2015: 09:01 م