الأديان وحدها تصنع الأعياد. ومحاولات تقليدها لم ترتق الى مستواها. بقيت الأعياد الدينية هي الأعظم. فيها وحدها يتذكر أصحاب اي دين وكل ملة ان المسرة هي اجمل ما في الحياة. وفيها وحدها يذهبون الى الفرح أو يحاولون مهما كانت الأحوال.
وعسى أن تستطيع رسالة العيد النفاذ الى قلوب الارهابيين، وأن تمنحهم اجازة من "العمل"، كي تعدي هذه الأيام المباركة على بلدنا بسلام، فيرحمون ويسمحون لرحمة الله أن تنزل على الناس. ولعل من يتذكر، في بضعة أيام، أن الفرح فرض من الله على عبيده، لا ينسى ذلك في سائر الأيام.
نطلب لأنفسنا "هدنة العيد"، كما نأمل بمثلها من كل قلبنا لأشقائنا السوريين، الذين امسكت المأساة برقابهم، وجعلت أيامهم مذبحة، وبلادهم مقصلة. ان عيد الله أكبر، أيضا، مناسبة خاصة لاضاءة فريدة على انحراف بعض السياسات من العمل لإسعاد الناس الى تسويد عيشهم. وذلك على قاعدة بضدها تتميز الأشياء. فالعيد فرحة. وبعض الحكومات قرحة.
ولشدة ما أوغلت السياسة العراقية، وعلى مدى عقود، في الأعمال الموحشة، والأفعال الشائهة، أفقرت تقاليد العيد، وحدت من تنوعها، وقللت من كثرتها، حتى بدت احيانا وكأنها مجرد "اجازة اعتيادية" من العمل. كانت الرحلة الى العذاب طويلة وبعيدة. اللهم اقطع دابرها، ويسر المسافات القصيرة الى الأفراح والمسرات.
ولعل أكثر من يجعل هذه المسافات طويلة هم هؤلاء الذين يتخذون الدين مطية الى السلطة، فيخربون الدين، ويعطلون الدنيا، ويجعلون السلطة وحشا كاسرا. بلدان العالم التي تعرف الأعياد على حقيقتها، وتذهب الى الأعياد بقلوب خفيفة، حددت واجب الحكومات بحماية ثلاثة أشياء لا رابع لها، هي أرواح الناس وممتلكاتهم وحرياتهم. وتحولت بذلك من السيادة على الناس الى خدمة الناس.
ومع هذا التحول عرفت الناس كيف تحتفل بأعياد الله أكبر. فقد أصبح لديها من يحميها، ويحل عن التدخل بما يجول في رؤوسها، تأكل وتلبس ما يعجبها، فهي ناضجة تعرف ما تفعل، وعاقلة مسؤولة عن أخلاقها. وليست قاصرة تتدخل الشرطة في أخلاقها، وتنبش المخابرات في رؤوسها، وتأخذ السلطة بيدها من هذه الفكرة الى تلك، كما تأخذ الأم طفلها الى المدرسة. كيف يعرف الفرح من لا حرية له في دينه وفكره وأخلاقه؟ وكيف لهذا السجين أن يخرج من الزنزانة ويذهب الى العيد؟
تبقى على أي حال إرادة الفرح أقوى لأنها غريزة في الانسان. والعيد عنوان هذه الغريزة وشارتها الضوئية الى التحرك والانطلاق من أجل اشباعها. ولعل مبعث الأحزان يكمن في عدم اشباع غريزة الفرح. وما التعزيات نفسها الا أنواع خفية من الفرح هدفها تهدئة الأحزان. ولكم أتمنى على هذه التهدئة أن تبلغ مداها مع الأغنية العراقية وتأخذ بيدها وتنقلها من المناحة الى المسرة. كما تأخذ بيدنا جميعا الى ذات الوجهة. والأغاني تكون كما تكون الناس. وكلاهما مازال حاملا لافتة "الفرح ليس مهنتي". وهذه اللافتة مفهومة ومبررة بالنظر الى ما جرى ويجري، ولكنها مرفوضة اذا تحولت الى عقيدة ومفخرة. فعندها يتوقف، لا سمح الله، إرسال العيد.
والتشويش على ارسال العيد غير قليل لكن العمل على تقويته لن يتوقف، كما لن يطفأ الأمل عن التهنئة الخالدة: كل عام وأنتم بخير.