هُنالك من يُخلدهُ الرحيل بذاكرةٍ يتركها خلفه , فيمضي جسداً وتبقى سيرتهُ تُجسدهُ في قلوب الكثيرين , كذلك هوالعلّامة العراقي الدكتور أحمد سوسة الذي ترك إرثاً عظيماً من كُتُبه ومؤلفاتهِ التي تحملُ بصمتهُ العلمية العميقة على مدى سيرةٍ دامت اثنين و ثمانين
هُنالك من يُخلدهُ الرحيل بذاكرةٍ يتركها خلفه , فيمضي جسداً وتبقى سيرتهُ تُجسدهُ في قلوب الكثيرين , كذلك هوالعلّامة العراقي الدكتور أحمد سوسة الذي ترك إرثاً عظيماً من كُتُبه ومؤلفاتهِ التي تحملُ بصمتهُ العلمية العميقة على مدى سيرةٍ دامت اثنين و ثمانين عاماً , وقد لملم المركز الثقافي البغدادي شُتات الإرث الذي تركهُ سوسة بعد حيازتهِ على المكتبة من قِبل حفيدة الراحل سارة الصراف , كما سيتم افتتاح المكتبة في السادس من تشرين الثاني في مبنى المركز .
وقال مدير المركز الثقافي البغدادي طالب عيسى إن " فكرة تجميع وحيازة مكتبة أحمد سوسة جاءت عن طريق حفيدته سارة الصراف , وذلك تخليداً لإرث مثقفي وعلماء ومفكري العراق , وقد عمل موظفو المركز و بجهودٍ حثيثة على ترتيب وترميم ما يُمكن ترميمه من المكتبة ذلك لأن أجزاء كبيرة منها كانت تالفة تقريباً , وقد حصلنا على نتيجة ممتازة يُمكن عرضها خلال الافتتاح ."
وبين عيسى قائلاً : "عدد الكُتب التي تحتويها المكتبة هو 1600 كتاب من بينها مؤلفاتهِ التي تتضمن 195 مؤلفاً تناولت في مجال المقالة الأدبية ما يقارب 12 مقالا وفي الأدب والتأريخ 13 مقالا في التأريخ الحضاري والدراسات الفنية وهندسة الري وكُتب منتقاة من قِبلهِ إضافة الى العديد من الكُتب المُهداة لهُ من قِبَلِ مؤلفيها , إضافة الى وجود متحف صغير يضُم مُقتنيات الراحل من أختام وصور وأثاثه المكتبي ودرع نقابة الصحفيين وعصاه الشخصية ولوحة كبيرة رسمها لهُ أحد الفنانين وبعض الخرائط والأطاليس ."
وذكرعيسى انها "تعتبر من أهم المكاتب في العراق كما قال الدكتور يونس ابراهيم بسام الراهي حيث يعدها أهم المكتبات في مجالها , كما اهتمت بها سابقاً وزارة الإعلام وأرسلت كتاباً الى الدكتور احمد سوسة للتعرف على تفاصيل المكتبة، وأجاب سوسة آنذاك قائلاً (هي مكتبة واسعه عن شؤون ري العراق مؤلفة من كتب وتقارير فنية ونشرات ومجلات إضافة الى المراجع المهمة للتاريخ القديم بمختلف اللغات إضافة الى أهم المصادر حول الشرق الأدنى القديم وحضاراته ودياناته , والمصادر الجغرافية القديمة وخاصةً جغرافيا العراق وكتب كثيرة بمختلف المواضيع والمجالات , والهدف الرئيسي من إعدادها لم يكُن بدافع إنشاء مكتبة واسعة لكن كانت الحاجة لمطالعة تلك الكتب والاستناد إليها كمصدر مهم للتأليف.) وتحتوي المكتبة على مصادر ونسخ نادرة لأهم المكتب المفقودة في يومنا هذا والتي أُهديت الى أحمد سوسة من قِبل مؤلفيها أمثال ناجي معروف وطه باقر وأمين الورد وغيرهم .
و أشار عيسى قائلاً : "بالرغم من ان تخصص سوسة هندسي في مجال هندسة الري إلا إن هذا لا ينعكس على مكتبته فقد تنوعت مكتبته بشتى أنواع الكتب بين الأدب والتأريخ والجغرافية والهندسة والحضارة العربية , وبالإضافة الى كتب هندسة الري , وقد سُئل سوسة ذات مرة عن أسباب تنوع مكتبته فأجاب ( تصدر تساؤلات من بعض الإخوة عن ما الذي دفعني للنزوح إلى التأريخ رُغم إن مهنتي مهندس وجوابي على ذلك ان هندسة الريّ والزراعة مرتبطان بالأحداث التأريخية وخاصةً الأحداث القديمة المتعلقة بحضارة وادي الرافدين وكيفية نشأتها وتطورها عبر العصور."
وأضاف عيسى قائلاً : "سيتم افتتاح المكتبة في السادس من تشرين الثاني المقبل, وسنستضيف عددا من المتحدثين أمثال حسين شعبان الذي يعتبر ممثلا لعائلة أحمد سوسة والذي عَمل جاهداً معنا من أجل نقل المكتبة وحيازتها , وستكون المكتبة معروضة في المركز الثقافي البغدادي من أجل استعارة بعض الزوار للكتب الخاصة بمكتبة سوسة على أن تكون الاستعارة داخلية وبالإمكان الحصول على نسخ من الكتب التي يحتاجها القارئ. "
وبيّن عيسى : "إضافة الى المكتبة سسنفتتح معرضاً يحتوي على الكثير من مُقتنيات سوسة من أختام وصور وأثاثه المكتبي وأطالس عديدة منها عالمية إضافة الى تصميم خارطة الإدريسي التي قام بها سوسة ."
من جانبها ، ذكرت شذى العبيدي أمينة مكتبة المركز الثقافي البغدادي : "حصلنا على الكتب بشكل جيد واجرينا عليها بعض الاصلاحات كما عملنا على إعادة ترميمها وبالتعاون مع موظفي المرك ."
أضافت العبيدي : "يُعدّ رحيل سوسة خسارة كبيرة لما يحمله من فكر ثقافي عميق , فقد درس علم الأديان في أميركا بشكل عميق وتمحص فيه ، وبعد عودته للعراق انضم الى الأزهر من أجل البحث في الدين وعن الدين , بعدها اعتنق الإسلام عام 1936 وكان اعتناقه موضوعيا وليس عبثيا وعن قناعة حقيقية حين ألّف كتاب "في طريقي الى الإسلام" بجزءيه الذي طُبع الاول منها في مطبعة القاهرة والثاني في مطبعة النجف. "
وأشارت العبيدي : " قد يكون اعتناق سوسة للإسلام تسبب لهُ ببعض الضجة والتساؤلات والحساسية في المجتمع العراقي إلا إنها لم تصل الى درجة الحساسية التي نعيشها اليوم ، ذلك لأن المجتمع العراقي مجتمع متنوع ومتعايش بشكل سلمي آنذاك , وقد اعتنق سوسة الإسلام مُتغاضياً عن مذاهبه ."
ويُعد المهندس والمؤرخ والباحث أحمد سوسة من أهم الشخصيات العراقية العلمية والثقافية حيث ولد في عام 1900 وتوفي عام 1982 تاركاً ذاكرة ثقافية عميقة تجسدت في مؤلفاته مثل "العرب واليهود في التأريخ,الشريف الإدريسي في الجغرافية العربية , ملامح التأريخ القديم ليهود العراق,حضارة وادي الرافدين بين الساميين والسوميريين" ، وغيرها العديد من المؤلفات , وقد تقلد سوسة منصب مدير عام في وزارة الري وكان واحداً من ضمن ثمانية مدراء عامين آنذاك في جميع العراق , كما كان أحد أعضاء المجمع العلمي ومن مؤسسي جمعية المهندسين العراقيين وعضواً في جمعية فيفاي بيتاكاب في واشنطن , ونال العديد من الجوائز من ضمنها وسام الملك عبد العزيز نتيجة إنجازه لمشروع الري في السعودية عام 1939 ووسام الرافدين من الدرجة الثانية ووسام الكفاءة الفكرية من ملك المغرب عن كتاب "الشريف الإدريسي في الجغرافيا العربية" .