حوار/ علي عبد السادةيعد الشاعر العراقي زاهر الجيزاني نموذجا للمثقف العضوي الذي يرفض العزلة ونأي الذات عن جوهر الوظيفة الحقيقية للمثقف في الشأن العام. فمثلما يطالب "الدولة" باعتباره مثقفا منتجا يقع عليها واجب رعايته لضمان "الإنتاج"، يدفع جمهرة المثقفين الى هجر ضفة الاستهلاك والكف عن لعب دور المثقف المستهلك.
كما انه يرهن "عراقا" حيا مستقرا بحسم هويته الثقافية، التي يرى حقوق المواطنة وتكريسها ممارسة حقة واحدة من اهم ركائزها.زاهر الجيزاني أحد رواد جيل السبعينيات الشعري في العراق،عمل في مجلتي الأقلام والطليعة الأدبية ونشر في الصفحات الثقافية العراقية، انتخب رئيسا لمنتدى الأدباء الشباب في العراق بين عامي 81-82،عمل أستاذا محاضرا في جامعة صنعاء 90-91، غادر شمالي العراق 1993،وعمل في المؤسسات الإعلامية للمعارضة العراقية هناك 93-95، انتقل إلى سوريا ومنها إلى الولايات المتحدة الأميركية حيث استقر فيها عام 1997، صدرت له: (تعالي نذهب إلى البرية) شعر 1977، (من اجل توضيح التباس القصد) شعر1980، (انطولوجيا الشعر العراقي)-الموجة الجديدة 1986،(الأب في مسائه الشخصي) شعر 1987،مختارات من الاعمال الكاملة 1996-وزارة الثقافة السورية( الحداثة والشعرية)،دراسة نقدية عن الشاعر عبد الوهاب البياتي 1996، -خمسة شعراء عراقيين 1996- دولة العراق-خطأ التأسيس-1996مخطوطة.نهضة ثقافيةبدأ الحوار مع الجيزاني من مقولة النهضة الثقافية، حيث يُبذل الحديث حولها عراقيا، في إطار لحظة تاريخية مهمومة بمتطلبات التغيير السياسي والاجتماعي، وتتشابك الرؤى، ومعها الحلول والاستنتاجات، حول نيل فرصة حقيقية للنهوض الثقافي. وقبل ان يخوض الجيزاني في البحث عن سبيل للنهوض، يحاول تقديم صورة واضحة للمثقف، ويقول:" اولا صورة المثقف وصورة الثقافة غير واضحتين لا في الخيال الشعبي ولا في خيال بعض المتعلمين- في الخيال الشعبي - الشخص الذي يحمل الجريدة ويقرأها يوميا له صورة المثقف والذي يقرأ الكتب الأدبية او الكتب السياسية والدينية والتاريخية والاقتصادية او كتب العلوم أيضاً له صورة المثقف-وهناك مثقف يكتب في الجريدة ويؤلف الكتب في الادب والفن والسياسة والتاريخ والدين والاقتصاد والاجتماع او يعمل في إنتاج البحث والدراسة والمقالة - كل هؤلاء الذين يقرأون والذين يكتبون او يمارسون الفن يطلق عليهم في الخيال الشعبي او في وسط المتعلمين بالمثقفين.. انها صورة واحدة فالسياسي يندرج في صورة المثقف والمثقف محتوى يضم السياسي، كما يضم الشاعر والباحث الاجتماعي، لكن فعلا هل صورة المثقف صورة واحدة ام صورتان؟ بمعنى هناك مثقف يستهلك الثقافة فهو (مستهلك) فقط يقرأ ويعرف، وهناك مثقف ينتج الثقافة (فهو (منتج).المثقف المستهلك موجود في كل مكان فهو يعمل في المؤسسة السياسية رئيسا او وزيرا او نائبا او مسؤولا حزبيا وفي المؤسسة الإدارية او العسكرية اوالمؤسسة التعليمية الخ.اما المثقف المنتج فانه يعمل في المؤسسة الثقافية في مراكزالبحوث، الجامعة، الصحافة، دور النشر والتأليف، دائرة الفنون، المقهى او البيت.السؤال من هو المعني حصرا بالنهضة الثقافية المثقف المستهلك ام المثقف المنتج؟ إذن المثقف المنتج ابتداء هو المسؤول عن مشروع النهضة الثقافية يليه المثقف المستهلك - تاريخيا النهضات الثقافية التي ظهرت في بلدنا منذ القرن التاسع عشر اقتصرت على الشعر اكثر من أي حقل ثقافي آخر- حتى بات الضيق واضحا عندما يجري الكلام عن الثقافة وكأنه كلام عن الشعر فقط، في حين لم تشهد حقول ثقافية أخرى أية نهضة. ان كتابا بسيطا في مادته وبسيطا في الجهد التحليلي مثل كتاب النهضة الأدبية في العراق للدكتور مهدي البصير يشكل اليوم مصدراً مهماً للباحثين في حقل النقد الأدبي- وأهميته تأتي كمادة وثائقية أكاديمية تخدم مؤسسة التعليم اكثر مما تخدم مشروع النهضة الثقافية".لكن الجيزاني يتساءل: لماذا لا تقوم نهضة ثقافية في العراق؟ ويجيب هو بالقول: "الجواب يكمن في ان المثقف المنتج غير معترف به قانونيا وليست هناك تسوية قانونية كي يدخل في كفالة الدولة فقط المؤسسة الثقافية هي المكفولة قانونيا وخاضعة إدارياً لضوابط الإدارة بمعنى ان المؤسسة الثقافية تقبل المثقف المنتج كموظف يخضع لقانون الدرجة الإدارية ولا يعامل وفقا لإنتاجه الثقافي".ويعود الجيزاني لإسناد مقولته في ركيزة النهضة ويقول: "الشعر وحده كان يتجدد ويحدّّّّث نفسه بسبب الحساسية العالية والفورة العاطفية فيه والتأثر السريع والمباشر بما يحدث كانت استجابته للاشتباك مع الواقع أسرع-لذلك رغم الواقع المزري للشعراء فقد طوروا هذا الحقل الأدبي والسياب مثال وعينة نموذجية للاختلال الكبير بين خط الحياة الصعب الذي عاشه وبين خط الانجاز الشعري الذي حققه، فقد لاحقه الحزبي المؤثث بالامتياز والسلطة في الخمسينيات فطرده من التعليم بحجة ان لديه آراء مختلفة ثم ساعده حزبي آخر وتوسط له ليعمل موظفا في التجارة ثم لاحقه حزبي آخر كتب عنه تقارير فسجنوه ثم توسط له حزبي آخر فأطلقوا سراحه ثم بقي عاطلا عن العمل ثم توسط له حزبي آخر ليعمل موظفا في الميناء ثم سقط في الم
زاهر الجيزاني: لا نهضة ثقافية مالم تعترف الدولة بالمثقف المنتج
نشر في: 11 يناير, 2010: 04:59 م