اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > التظاهرُ حقٌ لكنَّ الوظيفةَ خدمةٌ عامة

التظاهرُ حقٌ لكنَّ الوظيفةَ خدمةٌ عامة

نشر في: 31 أكتوبر, 2015: 09:01 م

نسمع في الأخبار أن تظاهرات أساتذة الجامعة وكبار الموظفين فيها ستستمر حتى تتم معالجة قضية سلم الرواتب والحيف الذي لحقهم جراءها، ومثل ذلك نسمعه في قطاعات وظيفية أخرى. ولأن الحكومة (رئاسات ثلاث وبرلمان ومجلس وزراء وآخرين نعرفهم) عاجزة عن استعادة عشرات المليارات المسروقة من قبل هؤلاء، فقد عمدت إلى الحلول البديلة التي منها تقليص رواتب بعض الموظفين في الدولة لسد العجز الذي تعاني منه الموازنة.
قد يبدو إجراء الحكومة هذا منطقياً لو كان العراق في ظروف طبيعية، ولم تسبق عملية الترشيق هذه أكبر عمليات فساد يشهدها العالم، إذ لم نسمع عن ضياع تريليونات الدولارات بهذا الحجم في أغنى بلدان العالم أو دول عرفت بالفساد، كما أننا لم نسمع عن خصاء حكومي في عدم قدرة القضاء على استرداد القليل منها او ملاحقة المتورطين فيها، بل أنها لم تعلن عن قيامها بزج أحدهم واسترداد المبالغ المسروقة منه. لذا ستكون معالجة الحكومة بالغة الصعوبة، ذلك لأن غالبية كبار المسؤولين في الحكومة الحالية هم المتهمون في ضياع الأموال هذه. ترى كيف ستتمكن من معالجة قضية متشابكة، معقدة لا تملك أي مفتاح فيها؟
ما يهمنا هنا ليست الأموال المسروقة فالموضوع شائك، وله من سيتكلم به، إنما مستقبل الوظيفة العامة ومستقبل الطلاب في الجامعات التي يصر الاساتذة فيها على تظاهراتهم حتى تتحقق مطالبهم. وبين موقف الاساتذة ومستقبل الطلاب نستحضر الحكاية التي كان كثيرا ما يوردها الراحل الكاتب محمود عبد الوهاب: يقول بانه كان طالباً في جامعة عين شمس بالقاهرة، حين رفض الطلاب العرب دخول المحاضرة التي كان يلقيها احد الاساتذة الإيطاليين، احتجاجا على احتلال القوات الايطالية لليبيا، في الظروف المعروفة بعد الحرب العالمية الثانية، ولما يئس الاستاذ من إقناعهم بان القضية مختلفة بين تلقي العلم وبين الموقف من السياسة، قال لهم جملته الشهيرة: (أنكم بذلك تفعلون كمن أراد أن يعاقب زوجته فقطع أ.....).
قد يختلف الموضوع في تعاطي أفكاره وتلقي معانيه، وقد يغضب غير واحد للمثل هذا، لكننا نجد أن معاني الوظيفة في العراق تدنت إلى أدنى مستوياتها، ولا نستغرب من غضب الشارع وعدم قناعته بكل الكابينة الحكومية بدءاً من المسؤولين الثلاثة الكبار في الدولة وليس انتهاء بمجموع اعضاء البرلمان والوزراء ومعهم كبار القضاة حتى نصل إلى المحافظين ورؤساء المجالس وأعضاء الحكومات المحلية وأنهم غير جديرين بإدارة وظائفهم. ولا ننسب القول هذا لنا إنما افصح عنه المتظاهرون في التظاهرات التي تصاعدت وتيرتها قبل أشهر. وقد قال الشارع العراقي بذلك قولته الحق. من الحقيقة هذه نقول بان الوظيفة في العراق فقدت معانيها النبيلة التي جاءت من أجلها، ألا وهي المصلحة العامة. حيث تعرّف معظم الدساتير الوظيفة العامة بقولها إنها "خدمة تناط بالقائمين بها، ويَستهدِفُ موظفو الدولة في أداء وظائفهم المصلحةَ العامة". نجد أن كل تشريع قانوني يؤكد على المصلحة العامة. ترى أين المصلحة العامة في ذلك؟
ذات يوم طلبتْ مني جهة ثقافية عربية اختيار وفد ثقافي بصري، لزيارة بلاد الجهة تلك، فاخترت مجموعة من الاصدقاء العاملين في ميادين الثقافة (شعر وموسيقى ومسرح وتشكيل) ولتكملة الوفد فقد كان لزاما علينا أن نلجأ الى الجامعة، ولأني بعيد عن الوسط هناك، فقد استأنست برأي أحد الاصدقاء التدريسيين في كلية (...) باختيار من يجدهم اهلا لذلك، وبصعوبة بالغة نجحنا في تشكيل الوفد، الذي كان بينهم الاستاذ الدكتور الناقد المرحوم علي عباس علوان، رئيس الجامعة آنذاك والاستاذ القاص المعروف محمود عبد الوهاب وأساتذة اجلاء آخرون. لكن الصدف تشاء فيمرض الدكتور علوان وينقص وفدُنا شخصية مهمة، ساعتئذ طلبت من التدريسي الصديق اختيار شخصية بديلة، على ان تكون بحجمه أو أقل منه بقليل. لكنه وبعد بحث وعناء طويلين أجابني بأنْ ليس بين أساتذة الكلية الـ 65 من هو بالوصف الذي أردناه، أو حتى أقل منه. الآن ندرك معاً هول ما نحن فيه!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram