تكمن اهمية النقد الادبي انه يقوم على كشف حقيقة النص من خلال القراءة والتحليل من قبل الناقد الذي يتسم بالدراية والثقافة والمنهجية . لذا فالناقد عبر ادواته يقدم نصا نقديا يتسم بالرأي الموضوعي تجاه النص الادبي يحكم فيه عن جودته او ضعفه.
ولكن ال
تكمن اهمية النقد الادبي انه يقوم على كشف حقيقة النص من خلال القراءة والتحليل من قبل الناقد الذي يتسم بالدراية والثقافة والمنهجية . لذا فالناقد عبر ادواته يقدم نصا نقديا يتسم بالرأي الموضوعي تجاه النص الادبي يحكم فيه عن جودته او ضعفه.
ولكن النقد الادبي يواجه اتهامات عريضة ، منها انه لايتجرد احيانا عن الانحياز والميل نحو الآخر وهي بمثابة خصومة . وهذه الخصومة بين الناقد والاديب قائمة ، كما يراها الناقد محمد ابو خضير ، ولكنها خصومة وفق مزاجية منهجية ، فالنص الادبي عند ابو خضير انه يخرج من الاديب ليصبح مشاعا ، ومهمة الناقد هنا تنطوي على تأثيث النص ، والاشتباك معه ، وفق قوانين منهجية معقلنة . وابو خضير يرى ان التقوقع في منهج واحد دون غيره من المناهج مثلبة تؤخذ على الناقد العراقي . ويطالب ابو خضير الناقد ان يمتلك الوعي والمفصلية ، ويستوعب تحولات الحياة ، ويترجل من منهج الى آخر حسب متغيرات النص وتنوعه ، وهذه الجهوزية تجعل من الناقد ينتج نصا نقديا متميزا . لهذا يجد ابو خضير ان التبدل الحياتي والوجودي للذات العراقية يرافقه تبدل نصي يتبعه تبدل نقدي حتمي . فالمنهج يجب ان يماشي النص بالقدر نفسه يماشي الاخير الواقع .
والناقد محمد ابو خضير يعد من نقاد جيل الثمانيات ، ينحى نحو قراءة النتاجات الروائية للشباب ، لان هؤلاء كما يراهم رشحوا من واقع ومحن ومرجل كبير من المعاناة . فنجد لديهم نوعا من النزق ، ويمتلكون معولا كبيرا لتهشيم كل موروث ابوي . فهذا الوجع الذي يحمله جيل الشباب يشاطره الناقد معهم . فالاديب الشاب يستطيع ابتكار نصوص جديدة تحمل انقلابا عن الواقع ، الذي يتصف بالعنف والمتغيرات ، ربما تختلف عن الابوة سليلة الستينات والسبعينات . وتتميز تلك النصوص عادة بالحدة لكونه يعيش في الشمس اكثر مما ينبغي . فهنالك تجييل للالم - كما يرى الناقد ذلك - جيل عاش الحروب وتداعياتها وقسوة الحصار والصراع الداخلي الدامي الذي اغرق البلد في دوامة من الفوضى .
ويرى ابو خضير ان الصحافة قدمت خدمة كبيرة للنقد . وعلى الرغم من ظهور النقد في العراق في العشرينات من القرن الماضي لكن ملامحه لم تتكشف بصورة واضحة . فكان عبارة عن نقد لبعض المظاهر الادبية . فالعشرينات لم تستطع ان تنتج نتاجات ملفة للنظر ، على مستوى الكم ، بسبب محدودية الصحف وضعف الوعي والذائقة الادبية . ولكن الستينات ، اعطت للنقد ملامحه الواضحة خاصة بعد عودة الموفدين وحضور الاكاديميين ، واستطاعت بعض الاسماء في تلك الفترة من انتاج خطاب نقدي على صعيد الممارسة ، وليس على صعيد المقررات . ومن تلك الاسماء الدكتور علي جواد الطاهر ، والدكتور عناد غزوان ، والدكتور جلال الخياط ، وعلي عباس علوان وغيرهم . هؤلاء استطاعوا فتح نوافذ ومسالك باتجاه الواقع النقدي . كما استطاعوا خلق معابر نقدية بين الثقافة العراقية والمنهج النقدي الاكاديمي . ويشير الناقد الى محطات كبيرة في النقد العراقي في ثمانينات القرن الماضي التي عدت مرحلة متميزة في الثقافة العراقية خاصة مع صدور كم هائل من الصحف والمجلات والدوريات الثقافية ، واخذت الترجمة مدياتها في ترجمة النصوص الادبية العالمية ، واصدارها لكتب من قبل دور ترجمة ونشر ، وحملت تلك الاصدارات المنجز الادبي والثقافي العراقي والعربي والاجنبي . فكان الكتاب يطرح في المكتبات بسعر رغيف الخبز . ومن ثم كان لصدور كتاب سعيد الغانمي ( مئة عام من النقد العراقي ) دفعة كبيرة للثقافة العراقية رسم صورة تاريخية كاملة عن النقد العراقي .
ويؤكد ابو خضير ان صحافة الامس افضل من صحافة اليوم تجاه النقد . فكانت الصحافة تحمل تقاليد صحفية جادة . فكثير من البيانات والتطبيقات في المناهج الحديثة في النقد كانت تقرأ في الصحف ، وتوجد طروحات ورسائل لنقاد كبار في صحف محلية . وكانت الصفحات الثقافية ، عبارة عن ورش نقدية ، وورش سردية وشعرية تكتب فيها النصوص . لهذا كان النقد الصحفي كبيرا عكس النقد الاكاديمي الذي تأطر بفضاءات مغلقة لان الجامعة لم تأخذ مدياتها في هذا المجال . فكان العقل الاكاديمي ومايزال يخشى التجريب والانزياح .
ولكن رغم ذلك لم يخل الحاضر من نقاط مضيئة حيث ظهرت صحف قليلة اهتمت اهتماما خاصا بالواقع الثقافي العراقي ، وافردت لها ملاحق خاصة بها مثل صحيفة "المدى" التي لها حضور ثقافي واضح عبر ابوابها الثقافية المتنوعة ، وغير ذلك . فالصورة الحالية تحمل هجنة ثقافية وفكرية وفنية ، والنقد فيها مخترق لتعدد وسائل الاتصال الخارجة عن حدود السيطرة . سيما وان بعض الصحف استسهلت الصفحة الثقافية لتزحف عليها صفحات اخرى او اعلانات حسب واقع الحال ، فشحت الصورة الثقافية في صحف اليوم .