حينَ نجدُ مَنْ يرسُم مِنْ الحُزن أيقونة فرح , ومَنْ يواسي الدمعة برقصةٍ دافئة , ومَنْ يكتُب على سطور الموت حروف الحياة ببلاغتها , وحين نجدُ مَنْ يكسر قيود الخوف والصمت والترهيب بعزف الألحان , سنتيقنُ حينها إنه هُناك يجلسُ مُداعباً الـ"تشيلو" لِيَبث ح
حينَ نجدُ مَنْ يرسُم مِنْ الحُزن أيقونة فرح , ومَنْ يواسي الدمعة برقصةٍ دافئة , ومَنْ يكتُب على سطور الموت حروف الحياة ببلاغتها , وحين نجدُ مَنْ يكسر قيود الخوف والصمت والترهيب بعزف الألحان , سنتيقنُ حينها إنه هُناك يجلسُ مُداعباً الـ"تشيلو" لِيَبث حولهُ معاني الرموز الأولى من الحياة بعذوبة لحنها و كبرياء أيقونتها التي ترفضُ السُكنى على الأوتار , فيكون بذلك مثالاً لمن يزرعُ للحياة زهورها في مرافئ الموت , كأنهُ بذلك يتحدى القدر بنغمةٍ لا يُمكنُ كبتها فيدعو كُل من حوله الى الذوبان والرحيل مع موجات الموسيقى مُتناسين ما يُحيطنا من وجع ساعين خلف الأمل. هكذا عودنا الموسيقار العراقي كريم وصفي أن نرسم الفرح بين حزنٍ و حزن , وان نُشعل الأمل رُغم عُتمة الألم ، وفي حوارٍ خاص للمدى مع وصفي يتبيّنُ لنا إنه عازم على بث الأمل سواء أكان في حياة الآخرين أم حياتهُ أم موسيقاه وهذا ما كشفهُ لنا الحوار التالي:
* هل ما زالت الفرقة السيمفونية تمتلك ذات الحضور ، خصوصاً بعد مغادرة العديد من الاسماء عنها , و بالأخص فيما يخص نشاطاتها في قاعة الرباط؟
- نعم ما زال الحضور للفرقة السيمفونية مهماً ومؤثراً و ذا صدى واسع بحكم المسؤولية التأريخية على عاتقنا بالإضافة الى الجهد الذي بذلته الفرقة منذ تسعة أعوام وحتى الآن , فهي باتجاه تحوّل طبيعة وماهية العمل الفني الموسيقي الى حالة متواصلة في ذهنية جمهورنا الحبيب وطقسنة عقلية المتلقي بقيم الجمال ، فنحن نطمح إلى أن تتحول تجربة الموسيقى إلى مُحاكاة الذوق العام وخاصةً الفئات الشبابية , ونحن بصدد خلق الطاقة الإيجابية الخلاقة ومفاهيم التعايش وأسس التطور الحضاري , وخصوصا إنني عَملت على توسيع كبير للأعمال والفنانين الذين يؤدون تلك الأعمال بشكلٍ كميِّ ونوعيّ وبالتعاون مع باقي المؤسسات الرسمية وأخرى غير رسمية منذ ٢٠٠٧، بدليل إنه بالرغم من عدم اتساع القاعات السابقة مثل الرباطً والشعب لعمل الأوركسترا إضافة لعدم وجود مكان مخصص فعلي يليق بمستوى وأهمية دور السيمفونية لإغناء الحياة الثقافية والاجتماعية وبغزارة النتاج ، إلا انكِ تجديننا ماضين بما نقدمه من أعمال مهمة تصل الى العالمية وهذا واضح من خلال مُشاركاتنا.
* هل أثرت التغيرات التي طرأت على الفرقة خلال السنوات الماضية على نشاطات الفرقة ؟
- من المؤكد إن التغيرات تؤثر بعض الشيء على مسيرة العمل داخل النظام الذي تعمل بهِ الفرقة السيمفونية , إلا انني أستطيع أن أجزم بأننا جميعاً سُرعان ما نتكاتف ونعود بلملمة أجزائنا والعودة بشكل أقوى وأنشط من السابق وهذا ما تُثبتهُ نشاطاتنا الواسعة والملموسة بالوسط.
* هل لديك نشاطات أُخرى خارج الفرقة السيمفونية ؟ وما طبيعة هذه النشاطات؟
- نعم لدي مشاركات قادمة تتجسد بالقيادة والعزف في عروض موسيقية في الولايات المتحدة للموسم الحالي تشمل بوسطن وواشنطن وفرجينيا , بالإضافة الى الإمارات والسويد هذا إن لم يتغير شيء.
* تحدث لنا عن مبادرتك في منتدى المسرح , ومدى تأثيرها على مسيرة كريم وصفي بشكل خاص ؟ وهل سيُشكل (ستوديو كريم وصفي ) انتقالة في مسيرة الفن الموسيقي في العراق؟
- منتدى المسرح يعد من الخطوات المُهمة ، بالنسبة لي الغاية من خلالها خلق صومعة تجريبية أكاديمية تتناول التجريب الصوتي والسمعي , أي إنها بمثابة ورشة لدعم عمل المسرح التجريبي بالموسيقى وكذلك بالمؤلفات إن تطلب الأمر ذلك , كما أتمنى ألا يتغير شيء بهذا الخصوص من قِبل دائرة السينما والمسرح بحجة قلة الموارد وضخامة المُتطلبات لكني متفاءل بهذا الشأن على أيةِ حال , وأعتقد إن التجريب والارتجال في مجتمعنا واردان ومحسوسان رغم الاعتقاد السائد بان العراق من المجتمعات صعبة التقبل لما هو جديد , لكن مجرد إطلاع بسيط على طبيعة تنوع المجتمع و تعامله مع صيرورة الأمور نجد إن التجريب والإرتجال موجودان وملموسان , أما الاجتهاد فهذا مصيبة إن لم يكن مبنيا على منطق وفهم ووعي إلا إن الخطورة تكمُن في قلة الوعي أو الإدراك , وبالتالي ستكون هناك توجهات موسيقية جديدة وحداثوية.
* ما اسباب مُبادراتك للعزف في مناطق النكبات ؟ وهل هُنالك رسالة معينة تُريد إيصالها من خلال العزف في تلك المناطق؟
- إن العزف في تلك الأماكن هو محاولة فنية أُقدمها بشكل أساسي تقديراً وحزناً على من نفقدهم انسانياً ، ثانيا من أجل خلق الامل وبثه في المكان والنفوس الإنسانية الحيّة كذلك احتراماً وتشجيعاً لمن هم مازالوا على قيد الحياة للتمسك بالحياة , وثالثا للتأكيد على دور الموسيقى والصوت نفسياً و شعورياً و فلسفياً , ومن أجل خلق حالة من الجمال المرتبط باللاشعور والشعورعلى حدٍ سواء.
* هل ترى ضرورة لإنشاء فرقة غير الفرقة السيمفونية تعمل بموازاتها؟
- كلا لا أعتقد بوجوب تكوين أوركسترا لزاماً , لكن من الممكن أن تُشكل مجموعات أُخرى الغرض من خلالها تنويع العمل واستقطاب الجهد ، برأيي سيكون ذلك جيداً.
* أين ترى الموسيقى العربية اليوم بشكل عام , والعراقية بشكل خاص , ومم تُعاني الموسيقى اليوم ؟
- الموسيقى العربية والعراقية اليوم على حدٍّ سواء إذا ما قورنت بالأعمال العالمية سنجدها مُتجسدة بشخصيات هم من تبنوا حمل الرسالة الموسيقية على عاتقهم , برأيي هُنالك العديد من المواهب العراقية الشابة التي بأمكانها اليوم أن تصل الى العالمية لما تمتلكهُ من قُدرات إلا إن الموسيقى في العراق تُعاني كثيراً حالها حال أي مجال ثقافي يُعاني الأهمال والرَكن , وباعتقادي يعود ذلك لحالة من عدم التصالح بين المسؤول العراقي والثقافة فلو كان المسؤول العراقي مُهتماً بالثقافة لأحياها وأحيا المثقفين وهذا عكس ما قد نلمسهُ في دولٍ أُخرى غير العراق سواء أكانت عربية او أجنبية .
* هل تعتقد بأن العراق اليوم بحاجة الى فرق جوالة مثل الموسيقيين الجوالين او الرسامين او ما الى ذلك وما اهمية تواجد مثل هذه الفرق؟
- تستطيعين القول إن إحدى مُبادراتي في العزف في مناطق النكبات هي الحث على تشكيل فرق جوالة , بشكل عام يُمكن أن تجدي كبار العازفين يتواجدون أحياناً في شوارع مُعينة للعزف ويقف مُختلف الناس لمشاهدتهم بغض النظر عن مراكزهم الأجتماعية والسياسية فمن الممكن أن تُشاهدي رئيس دولة في إحدى الدول الأُوربية يقف بين المواطنين لمشاهدة عرض جوال , إلا إن ما نُلاحظهُ في العراق عكس ذلك أجد إن المسؤولين يجدون صعوبة كبيرة بأن يقفوا لمشاهدة عرض جوال بين كم من الناس البسطاء لتذوب خواتم التساؤلات من خلال هذا الحوار بإجاباتٍ غير مُنتهية , تحيا على خلق تساؤلاتٍ جديدة حول ما تحملهُ لغة الموسيقيى من أهمية , إلا إنها لم تزل تفتقر لأخذ حقها في الوسط الثقافي العراقي كما ينبغي.