منذ وقت ليس بالقصير تتوارد علينا أنباء سرقة مجموعات مسلحة وتحت تهديد السلاح رواتب موظفي الدولة سواء في بغداد أو المحافظات حتى أصبحت هذه الأخبار لا تُثيــر الغرابة أو تحرِّك ساكناً بالنسبة للجهات الأمنية صاحبة العلاقة. فخلال الأيام القليلة الماضية سجلت بغداد لوحدها ثلاث حوادث شملت سرقة رواتب معلمين وموظفين، إذ اكتفوا بلطم الخدود وشق الجيوب والإكثار من قول "لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم". وإننا نذكر هنا جانباً من الحوادث على سبيل المثال ولمن يريد أن يطلـِّع فما عليه إلا أن يفتح سجلات الحوادث المسجلة في مراكز الشرطة ليجد ما يعكـِّر صفو النفس البشرية ويغلق الشهية، وإزاء هذه المسرحية الهزلية التي أبطالها لصوص محترفون وضحاياها موظفون لا ذنب لهم سوى أنهم موظفون. المطلوب الآن وضع إجراءات وتدابير وايجاد حلول وابتكار أساليب لا تحتاج إلى فتاح فـال أو (روحة للقاضي) تتمثل بالدرجة الأساس بفتح حساب للموظفين بالمصارف الحكومية أو الأهلية لضمان انسيابية وصول الرواتب إلى جيوبهم ، "صاحبة الجلالة" سلـَّطت أضواءها على هذه الحالة المزرية وأجرت لكم الآتي: 

 

رواتب المسؤولين

في هذا السياق يقول أحمد سعيد أحد موظفي وزارة التربية لـ(المدى): إن الظرف الذي تمر به البلاد من تقشف مالي كبير خصوصا هذا العام بعد تراجع أسعار النفط التي أثرت على إقرار سُلـَّم رواتب جديد الآن يضرب العراق بظاهرة سرقة رواتب الموظفين، مستدركا: هذه الظاهرة يجب "اقتلاعها" بأسرع وقت ممكن لأنها تمس الموظف البسيط الذي ليس لديه أي باب ثانٍ للرزق. 

واضاف سعيد: إن هذه الظاهرة لو كانت تمس الحكومة والجهات العليا في البلد كالنواب والمسؤولين لاستغرق الوقت ساعات قليلة للقضاء عليها، داعياً: في الوقت نفسه الحكومة والجهات الأمنية إلى القضاء على هذه الظاهرة البشعة بسرعة وإلا سيكون للموظف البسيط كلام غير هــذا.

 

البنك المركزي والأجهزة الأمنية

من جانبه يرى الموظف علي حميد أحد المتضررين بسرقة راتبه أنه اضطر إلى سحب مبلغ معين من أخيه لأنه كان يعوِِّل على راتبه الذي يتقاضاه نهاية كل شهر إلا أنه سُرق!

ويوضح حميد، وهو أحد موظفي معمل الورق في حديث لـ(المدى) أن ما يجري الآن يجب إيقافه وعدم المساس برواتب الموظفين وإلا سيكون هناك ردٌّ آخرٌ عن طريق التظاهرات والاعتصامات أمام المؤسسات المعنية، محملا الأجهزة الأمنية والبنك المركزي المسؤولية الكاملة التي تقف وراء سرقة رواتب الموظفين.

لجنة تحقيقة وإعلان نتائج ؟!

تقول المتحدثة باسم وزارة التربية، هديل العامري، في حديث لـ(المدى) إن حادثتي سرقة رواتب موظفي قسم الشؤون الفنية ورواتب مدرسة ذات الصواري شرقي بغداد حدثت بيوم واحد، مبينة أن أحد الحادثين حصل في الساعة 11 صباحا والثاني وقع عند الساعة 2 ظهرا.

وأضافت العامري: إن حادثة الرصافة الثانية تمت بعد استلام الرواتب من مصرف شارع فلسطين الذي يقع مجاور ساحة نادي الإخاء التركماني، وبعد استلام الرواتب من قبل اللجنة المختصة وتوجههم بسيارتهم الخاصة، تمت الحادثة بجانب وزارة النفط على طريق القناة، أما مدرسة ذات الصواري فلم تصلنا أية معلومات عن ملابسات الحادث. 

وتشير المتحدثة باسم التربية إلى أنه تم فتح تحقيق بشأن هذه السرقات من قبل عمليات بغداد وتحقيق في داخل المديرية وسنعلن عن النتائج حالما تصلنا، موضحة أن أفراد العصابات التي قامت بالسرقة كانوا يرتدون ملابس سوداء، وليس مثل ما تداوله الإعلام بأنهم يرتدون ملابس أو زياً عسكرياً. مبينة: أنه لا يمكن التشكيك بأمانة الأشخاص المعنيين باستلام الرواتب، والتحقيقات ما زالت مستمرة، لذلك فإن كل الاحتمالات والتوقعات واردة.

 

عصابات منظمة

يُشير عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد غالب الزاملي إلى أن مجلس محافظة بغداد دعا في وقت سابق إلى استخدام البطاقة الذكية في عملية تسليم رواتب موظفي العاصمة من أجل تفادي عمليات السرقة التي تجري بين الحين والآخر، موضحاً أن الجلسة السابقة للمجلس تضمنت مناقشة هذا الموضوع للمباشرة بالمشروع.

واسترسل الزاملي، في حديث لـ(المدى): إن الكل يعلم أن رواتب الموظفين العراقيين باتت بالملايين وهذا ما يزيد من مطامع عصابات منظمة بمتابعة عملية نقل تلك المبالغ من البنك المركزي إلى المؤسسات والدوائر الحكومية، موضحا: أن هناك تنسيقاً مسبقاً قد يجري في بعض عمليات السرقة بين أشخاص معنيين في الدولة والعصابات المنظمة!

 

شعائر محرم وداعش

رئيس لجنة الأمن والدفاع النيابية حاكم الزاملي أكـد في حديث لـ(المدى) وجود عصابات تحت عناوين محددة لم يُسمِّها تقف وراء عمليات سرقة رواتب موظفي الدولة، موضحاً: أن اللجنة قامت بتزويد قيادة عمليات بغداد بالبعض منهم ليتسنى لهم إلقاء القبض عليهم، مضيفا: أن سبب الخروقات الأخيرة لتلك العصابات في العاصمة بغداد هو حصر الجهد على تأمين الشعائر الحسنية خلال شهر محرم، فضلا عن تكثيف الجهود في الحرب على تنظيم داعش الإرهابي، مشيرا إلى أن هذه الخروقات لا ترتقي إلى مستوى الظاهرة وسيتم القضاء عليها في القريب العاجل.

 

الدفع الالكتروني الحـلّ الأمثل 

عضو اللجنة النيايبة البرلمانية هيثم الجبوري يُشير إلى أن تكرار سرقة رواتب الموظفين في بغداد دليل على الضعف الكبير في الأجهزة الأمنية وعلى الخروقات الواضحة لعمل الأجهزة الحكومية، مطالباً في الوقت نفسه بـ"فتح تحقيق عاجل وفوري في هذه الجرائم ومحاسبة مَن يقف خلفها وتضمين مبالغها لحاملها.ويوضح الجبوري، بحسب بيان تلقت (المدى) نسخة منه نؤكد مقترحنا السابق بضرورة تفعيل الدفع الالكتروني أو الإسراع بفتح حساب لكل موظف في المصارف الحكومية والأهلية لضمان انسيابية وصول الرواتب وعدم تعرضها للسرقة أو الاستقطاع أو الابتزاز من بعض المسؤولين عن توزيع الرواتب.

سرقة أكثـر من 316 

 

مليون دينار خلال أيام !

يُذكر أن مبلغاً قدره 211 مليون دينار مخصص لموظفي معمل الورق قد سرقته مجموعة مسلحة مجهولة في منطقة التاجي بالقرب من بوابة بغداد شمالي العاصمة، سبقته عملية أخرى مشابهة لعصابة ترتدي الزي الأسود سرقت مبلغاً قدره (29) مليون دينار رواتب موظفي تربية الرصافة الثانية في منطقة البلديات شرقي بغداد، فضلا عن حالة أخرى مشابهة وهي سرقة مجموعة مسلحة أيضا لمدرسة (ذات الصواري) في شارع فلسطين شرقي العاصمة بغداد، مبلغ قدره (76) مليون دينار.

يُشار إلى أن عمليات السطو المسلح وسرقة أموال المواطنين ورواتبهم ليست بجديدة على الساحة، إذ كثير ما تجري حالات مشابهة وتحت تهديد السلاح، الأمر الذي يتطلب من الجهات الأمنية التكثيف من جهودها لمنعها مع أخذ الحيطة والحذر في عملية نقل الأموال من البنك المركزي إلى أماكن صرفها.

 

11 ألف موظف بلا راتب 

من جهته كشف عضو مجلس محافظة بغداد محمد الربيعي عن تورط بعض العناصر من الشرطة مع عصابات سرقة رواتب الموظفين. وقال الربيعي في تصريح صحفي: ان ظاهرة سرقة الرواتب انتشرت مؤخرا في أغلب مناطق شرق القناة، وان بعض اجهزة الشرطة متورطون مع الجناة في عمليات السرقة، مضيفا: أن أكثر من 11 ألف موظف في دوائر تربية الرصافة في القاطع الشرقي من بغداد ذهبوا ضحية هذه العصابات، داعيا عمليات بغداد واجهزة مكافحة الإجرام الكشف عن الجناة عبر كاميرات المراقبة.وأكـد الربيعي ان هذه هي المرة الرابعة التي يتعرض فيها موظفو الرواتب لهذه العمليات وهي بحاجة الى جهد استخباري مكثف للكشف عنها والقبض على الجناة.

 

علـل الدفع الالكتروني

عبدالكريم لفتة صاحب محل صيرفة اشار في حديثه لـ(المدى) أن نظام الدفع الالكتروني لا زال غير متطوِّر في البلد، مبينا: ان اغلب المصارف التي تتعامل بهذه الطريقة تعاني من عطل أجهزة الصرف بين آونـة وأخرى وخاصة أيام دفع مرتبات بعض الدوائر الحكومية.واستطرد لفتة: ان تجربة دفع رواتب التقاعد قد اعطى اشارات سلبية اذ يعاني الكثير منهم من بصمة الإبهام إضافة إلى تأخر إدخال المبالغ في البطاقات، موضحا: ان البعض من ضعاف النفوس في المصارف يتحايل بشكل وبآخر على هذه الرواتب بسبب عدم وجود رقابة مسبقة. الى ذلك استولى مسلحون مجهولون على مليار و200 مليون دينار من صاحب شركة صيرفة بالقرب من بغداد الجديدة. وقال مصدر أمني إن مسلحين يرتدون الزي العسكري أوقفوا سيارة تعود لصاحب شركة صيرفة على الخط السريع بالقرب من بغداد الجديدة وسرقوا منه ملياراً و200 مليون دينار ثم لاذوا بالفرار الى جهة مجهولة!