1.بدعوة كريمة من المنسق المسرحي في مدينة سيدني، Niall Tangney وهو أيضاً المشرف على موقع (مسرح سيدني)، ذهبت لمشاهدة العرض المسرحي الجديد الذي تقدمه فرقة (Clockfire Theatre Company) وحمل عنوان: We, the Lost Company وقبل الشروع في الكتابة عن العرض ذاته

1.بدعوة كريمة من المنسق المسرحي في مدينة سيدني، Niall Tangney وهو أيضاً المشرف على موقع (مسرح سيدني)، ذهبت لمشاهدة العرض المسرحي الجديد الذي تقدمه فرقة (Clockfire Theatre Company) وحمل عنوان: We, the Lost Company وقبل الشروع في الكتابة عن العرض ذاته أجد من الضروري إضاءة جانب من مشروع الفرقة التي تأسست عام 2011 بجهود المخرجة والممثلة ايميلي ايوب Emily Ayoub تمتلك الفرقة مقراً أنيقاً، هو نفسه صالة عروضها، ويقع في منطقة حيوية بالقرب من مركز مدينة سيدني. والصالة، والمقرّ، هو بناء في طابق ثان، يتألف من بار ومكتب استعلامات، ثم غرف الممثلين والماكياج والاكسسوارات والديكورات فالصالة.
والصالة بمساحة مربعة، تنقسم إلى قسمين: قسم لجلوس المتفرجين وعددهم نحو 70-80 متفرجاً، ثم الخشبة التي هي بمساحة مكان جلوس المتفرجين تقريباً. المكان ذكرني بمسرح (الستين كرسي) الذي أطلقنا عليه الرصاص قبل سنوات، كما ذكرتني حميميته بمنتدى المسرح مع الفارق بالمعمار. منتدى المسرح هو بيت بغدادي تراثي، كما تعرف، أما الصالة التي أتحدث عنها هنا فهي مكان بلا ملامح تاريخية أو دلالية. انه مربع أبيض مقسوم إلى نصفين: نصف للمتفرج ونصف للممثل.
العروض التي تنتجها الفرقة تحصل على دعم من بعض مجالس مناطق سيدني المحلية البلدية، وكذلك من خلال تذاكر العروض، وهي بالمجمل تتراوح بين 22 و 35 دولاراً أسترالياً. يحرص الجميع على شراء التذاكر من أجل دعم مشاريع الفرقة.
2. وعرض We, the Lost Company هو عرض بصري يعتمد بشكل نهائي على التعبير الجسدي. انه يطرح سؤالاً غريباً ستجده مكتوباً على دليل العرض، وستجد جوابه مرئياً على الخشبة، والسؤال هو: ماذا لو كان الماء يستطيع ان يتحدث؟
مشروع العرض، كما تبيّن مخرجته، اعتمد على روايات واقعية لأشخاص من مدينة سيدني، بالإضافة إلى نصوص من الشاعر والروائي الياباني يوكيا مشيما، وبعض الرسوم التشكيلية، وغيرها. يبدأ العرض وينتهي في منظر ثابت "تزيّنه" ثلاث اطارات من الخشب رسمت على قماشتها البيضاء أشكال تجريدية. هذه الاطارات تؤدي دور الكواليس بالنسبة للمثلات أكثر من اي شيء آخر. فالممثلات، وعددهن ثلاث، يستخدمن تلك الاطارات في الدخول والخروج إلى الخشبة.
الشيء اللافت في العرض كان الإصرار على استنطاق الجسد للممثلات الثلاث، وهو استنطاق بدا في بعض الأحيان قاسياً. كان على الممثلات أن يؤكدن طيلة زمن العرض بأنهن مجرد قطرات ماء. كانت المهمة شبه مستحيلة، على أن الأداء المذهل لبطلات العرض أثبت أن الجسد قادر بالفعل على أن يصنع المعجزات على الخشبة. وبالرغم من أن الاخراج لجأ لتقنية تقليدية في عرض غير تقليدي، وهي تقنية الاظلام بين المشاهد، إلا أنه بالمقابل قدم عرضاً يشبه إلى حد كبير العناصر التي اعتمدها: الجسد، اللون، الموسيقى والتي تقابل: البحر، الرسم، قصص الناس. هذه المعادلة كانت تحتفي بغموض آسر. أنت لا تستطيع فك العديد من شفرات العرض، وربما كان المطلوب أن تبقى بعض تلك الشفرات عصيّة، مع ذلك، أنك تستطيع أن تؤسّس لعلاقة من نوع ما مع جسد الممثلات.
هذا العرض يريد أن يقدّم فنّاً غامضاً، غموضه قادم من غموض العالم الذي يبحث فيه: الماء. السؤال هنا: هل فكّر أحدنا، بحقّ، في امكانية أن يتكلم الماء؟
3. في الكثير من العروض المسرحية ينبري سؤال جوهري عن الرسالة التي يودّ العرض أن يوصلها، ثم يتبع النقاد مثل هذا السؤال بسؤال حاذق ومفيد تلخّصه اداة استفهام واحدة، هي: كيف؟ بمعنى كيف قدّم العرض رسالته.
والعروض التي تفشل في تقديم رسالة عظيمة هي العروض نفسها التي تخشى البحث التجريبي في "كيف" الناقد، والتي هي بالضرورة "كيف" منتج العرض.
في عرض We, the Lost Company ثمة لعب تجريبي واضح، وهو لعب يبدأ من التأسيس للنص، ومن ثم مغامرة تقديمه، ولا ينتهي مع نهاية العرض، عندما تقوم بطلاته بتوزيع الآيس كريم على المتفرجين!
المسرح، إذن، نتاج مخيلة مستفزة، قلقة ومرتبكة، ولكنها في الآن ذاته تجريبية تذهب إلى أكثر المناطق غموضاً في روح الانسان، كما في روح الكون الذي قذفت فيه.