TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > فـي يوم عراقي

فـي يوم عراقي

نشر في: 2 نوفمبر, 2015: 09:01 م

بعد سقوط المطر يخرج الغربيون ليحتفلوا بشروق الشمس في شوارع نظيفة وطبيعة زادها جمالا اغتسالها بالمطر ..وبعد سقوط المطر في العراق ، خرجت صباحاً لألتحق بدوامي الرسمي فلست ممن تشملهم العطلة ( الاختيارية ) المبتكرة التي منحها رئيس الوزراء لمن لا يمكنه الوصول الى دوامه الرسمي بسبب غرق منطقته ..احمد الله ان منطقتنا الكرخية لم تتضرر وشوارعنا نظيفة واشجارنا زادت اخضرارا بعد اغتسالها بماء المطر، لذا واتتني رغبة كنت أذعن لها دائما بالنزول من السيارة وممارسة رياضة المشي والاستمتاع بالجو الجميل لكن الزحام المروري بسبب انسداد العديد من المناطق المتضررة من جراء الامطار ثم افتتاح معرض بغداد الدولي الذي جاء في توقيت غير مناسب والذي يشكل سنويا عقبة رهيبة امام كل مَن يبغي الوصول الى مقصده مرورا بمنطقة المنصور التي يقع فيها المعرض ..صار المشي إذاً ضرورة وليس رغبة ولم يتخلله استمتاع بالطبيعة، بل تذمر من الزحام..
في مقر العمل ، كان الحديث يدور فقط عن مشاهد الأذى التي طالت المواطنين خلال سقوط المطر وبعده ... مناطق سكنية غاص نصفها او اكثر في المياه وعوائل عاشت اسوأ لحظاتها وهي تحاول إيجاد ملاجىء لها وأفراد فقدوا حياتهم تحت منازل تهاوت عليهم او صعقتهم اسلاك كهربائية حوّلها المطر الى وسائل للإعدام، ونازحون ضاعف المطر من معاناتهم ..لم يبدُ على احد الاستمتاع بالجو المشمس الجميل فالكل يحصي أضراره او يروي معاناة الآخرين !
كان يوم استلام الراتب الذي تأخر استلامه ايضا بسبب المطر وكان لابد ان أجد شيئاً يمنحني بعض الأمل لكن تناقص الراتب بشكل مخيف بحجة الضرائب التي تم اقتطاعها بأثر رجعي زاد النهار قتامة وصار لزاماً عليَّ وعلى زملائي أن نلغي فقرات عــدة من ميزانية إنفاقنا التي نفصِّل الراتب على مقاساتها قبل استلامه فقد تبين انه رشيق جدا لهذا الشهر وقد يزداد رشاقة في الأشهر المقبلة ولن يكفي لسداد جميع التزاماتنا !!
بعد استلام الراتب ، بلغني نبأ استشهاد زوج صديقتي القائد العسكري على أيدي داعش وكان لابد من زيارتها لتعزيتها ..وجدت أمامي بقايا امرأة متكوِّمة على سرير المرض بعد ان فقدت عكاز حياتها ...ولم تخرج أحاديثنا عن إطار الموت ..موت رجال بواسل في مناطق القتال وموت العراقيين بسبب الأمطار وموت أرواحنا التي تنتظر الموت البايولوجي كنهاية لأوجاعها المستمرة ..
حين عدت الى المنزل ، كنت مرهقة جدا ليس من المشي الذي كنت أعشقه وأُمارسه دائما في أوقات كهذه وليس من الزحام الذي صار جزءاً من حياتنا اليومية، بل من شعوري بأننا لا ننتظر أملا ولا إصلاحاً ولا تغييراً ولا حياة جديدة ..نحن ننتظر رغماً عنا دورنا في مسلسل الموت الناجح جدا في العراق، فالموت وأنباؤه يحيطان بنا من كل مكان ..وحتى لو حاولنا ان نكون اكثر تفاؤلا ونلقي بمثل هذه الأفكار خلفنا وننطلق لنعيش حياتنا كما هي فهناك اسباب اخرى تجعلنا نشعر بالموت..ليس الفناء الجسدي، بل موت الروح فينا حين نضطر الى قبول حياتنا كما هي ..نستلم رواتبنا المبتورة من دون أن يلتفت احد لاعتراضنا عليها ، ونخدم أنفسنا بأنفسنا حين نفتقد خدمات الدولة ونشعر بالعجز تجاه كل ضغط تسلطه الظروف علينا ..والعجز هنا هو الموت الحقيقي ..فلنعترف إذاً إننا عاجزون عن التغيير طالما اعتدنا على تقبل الامور على علاتها ولنعترف اننا لسنا أحياء طالما لا نشعر بجمال الحياة، بل نُحصي نقاط القبـح فيها فقط !

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: صنع في العراق

 علي حسين اخبرنا الشيخ همام حمودي" مشكورا " ان العراقي يعيش حاله من الرفاهيه يلبس أرقى الملابس وعنده نقال ايفون وراتبه جيد جدآ ، فماذا يحتاج بعد كل هذه الرفاهية. وجميل أن تتزامن...
علي حسين

قناطر: في البصرة.. هذا الكعك من ذاك العجين

طالب عبد العزيز كل ما تتعرض له الحياة السياسية من هزات في العراق نتيجة حتمية لعملية خاطئة، لم تبن على وفق برامج وخطط العمل السياسي؛ بمفهومه المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، كقواعد وأسس علمية....
طالب عبد العزيز

تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.. من يكون رئيس الوزراء؟

إياد العنبر يخبرنا التراث الفكري الإسلامي بأن التنظير للسلطة السياسية يبدأ بسؤال مَن يحكم؟ وليس كيف يحكم؟ ولعلَّ تفسير ذلك يعود لسؤالٍ مأزومٍ في الفقه السياسي الإسلامي، إذ نجد أن مقالات الإسلاميين تبدأ بمناقشة...
اياد العنبر

هل الكاتب مرآةً كاشفة للحقيقة؟

عبد الكريم البليخ لم يكن الكاتب، في جوهره، مجرد ناسخ أو راوٍ، بل كان شاهداً. الشاهد على لحظةٍ تاريخية، على مأساةٍ إنسانية، على حلمٍ جماعي، وعلى جرحٍ فردي. والكاتب الحقيقي، عبر العصور، هو ذاك...
عبد الكريم البليخ
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram