ان يتحرك البرلمان مطالبا بحقه التشريعي حتى وان استأسد بوجه حراك الإصلاح الذي أقدم عليه رئيس الوزراء، ليس عيبا بحد ذاته. لكن العيب يحتاج جوابا صريحا منه على سؤال: أين كنت يا جناب البرلمان يوم ضاعت الميزانيات العراقية على مدى ثماني سنوات وكانت تعمّر قارات ولا أقول تعمر وطنا بحجم العراق؟ انا باق على قراري، الذي اعرف بانه لا يطاع، ان علة ما نعانيه سبب الغباء أولا وأخيرا.
استأذنكم لتسمحوا لي بتكرار حكاية "أبو حنّاية" لأني لم أجد غيرها تعينني على الإفصاح بما أريد قوله اليوم. تحملوني واعتبروها من باب فذكر ان نفعت الذكرى:
حدث هجوم بربري ذات يوم على قرية هادئة مسالمة لا يعرف أهلها معنى الحروب. كان في تلك القرية رجل عملاق الطول والعضلات لكنه غبي. من غبائه انه لا يأكل رغيف الخبز بل يريد "حنّاية" بشرط ان تنضج تحت اشعة الشمس. و "الحناية" هي رغيف صغير كانت الأمهات العراقيات يعملنه للأطفال كهدية بمثابة كيكة صغيرة. لعب الغزاة بالقرية لعبا وفرهدوها وصاحبنا منشغل "بحنايته". النساء والأطفال والشيوخ تصرخ: يمعود قم للأعداء، فلم يبال. بالصدفة داس مهاجم من الأعداء على "حنّايته". هنا فقط غضب صاحبنا واستل سلاحه فلم يصمد امامه عدو وتخلصت القرية من الشر. الرباط ولا سالفة أعضاء برلماننا.
انهار من الدولارات سرقت ونهبت دون بناء مدرسة بيها خير. خبيرنا العراقي الكبير سنان الشبيبي قال " إن الاموال التي استلمها المالكي كانت كافية لبناء وطن جديد يتسع لـ 30 مليون نسمة يكون أمنية لكل البشر في العالم". هذه غلّس عنها البرلمان تغليسة من لا نبض للحياة فيه. ليش؟ لأنه كان محتارا "بالحنّاية". فما دامت هي بخير فلا نزل القطر. قطعا مست إصلاحات العبادي "حنّاية" الجماعة فاشتغلت العنتريات. ياله من غباء مطبق. أقول غباء لأنهم استأسدوا بوجه الإصلاح وليس بوجه الفساد والخراب. اسألوني شلون؟
الاصلاح والخراب يمكن ان ارسمه بصورة بسيطة جدا: رجل وبئر. فان جاء العبادي مثلا ورمى الرجل في البئر بحجة ان لديه تفويضا من البرلمان فهذه حقا تستحق سحب التفويض منه على الفور او حتى اقالته. لكن ماذا لو ان العبادي وجد الذي سبقه في الحكم قد رمى الرجل بالبئر وصار يطلب النجدة. هل يحتاج العبادي في هذه الحالة ان يتركه الى ان تأتيه موافقة حزبه او برلمانه لينتشل الرجل مما هو فيه؟
عقلي يعجز عن تفسير سلوك برلماني يسكت على إغراق الوطن في بئر الفساد وترتجف شواربه من الغيظ لو شاهد من يخرجه من البئر دون الرجوع اليه؟