2-2
علاقة الروائي الكبير غابرييل غارسيا ماركيز بالسينما علاقة وثيقة ، فقد عمل في فترة من حياته ككاتب سيناريو، وانتج الكثير من الافلام المأخوذة عن رواياته . في هذا الحديث الذي اجراه ماركيز مع المخرج الياباني الكبير اكيرا كوروساوا والذي نشرته
2-2
علاقة الروائي الكبير غابرييل غارسيا ماركيز بالسينما علاقة وثيقة ، فقد عمل في فترة من حياته ككاتب سيناريو، وانتج الكثير من الافلام المأخوذة عن رواياته . في هذا الحديث الذي اجراه ماركيز مع المخرج الياباني الكبير اكيرا كوروساوا والذي نشرته صحيفة لوس انجلوس تايمز في حزيران من عام 1991 ،تتكشف اكثـر علاقة ماركيز بالسينما واهتمامه بها:
ماركيز: الا يتناول موضوع شخص يقتل شخصا آخر؟
كوروساوا: كلا، انه ببساطة عن امرأة عجوز من ناغازاكي ونجت من القنبلة الذرية ويزورها احفادها في الصيف. أنا لم اصور مشاهد واقعية صادمة لا تحتمل وتكون بحد ذاتها مرعبة دراميا. ما أردت أن أبينه هو الندوب والآثار التي خلفتها القنبلة الذرية في قلوب مواطنينا، وكيف أنها بدأت تشفى تدريجيا. لا زلت أتذكر يوم القصف بشكل واضح، وحتى الآن ما زلت لا أستطيع أن أصدق أن ذلك يمكن أن يحدث في العالم الحقيقي. ولكن أسوأ ما في الأمر هو أن اليابانيين قد جعلوه يصبح في غياهب النسيان.
ماركيز: ماذا يعني فقدان الذاكرة التاريخية بالنسبة لمستقبل اليابان، وبالنسبة لهوية الشعب الياباني؟
كوروساوا: اليابانيون لا يتحدثون عن ذلك صراحة. سياسيونا على وجه الخصوص يلفهم الصمت خوفا من الولايات المتحدة. أنهم قد قبلوا تفسير الرئيس هاري ترومان بانه لجأ إلى القنبلة الذرية فقط لتسريع نهاية الحرب العالمية. ومع ذلك، فانه بالنسبة لنا، الحرب مستمرة. وقد اعلن رسميا ان عدد القتلى الكامل لهيروشيما وناغازاكي هو 230,000 قتيل. ولكن في الحقيقة كان هناك أكثر من نصف مليون قتيل. وحتى الآن (1991)لا يزال هناك 2700 مريض في المستشفيات ينتظرون الموت من آثار ما بعد الإشعاع بعد 45 عاما من العذاب. وبعبارة أخرى، فإن القنبلة الذرية لا تزال تقتل اليابانيين.
ماركيز: إن التفسير الأكثر عقلانية على ما يبدو هو أن الولايات المتحدة سارعت الى وضع حد للحرب باستخدام القنبلة النووية خوفا من أن يستولي السوفييت على اليابان قبلهم.
كوروساوا: نعم، ولكن لماذا فعلوا ذلك في مدينة كان يسكنها المدنيين فقط الذين ليست لهم اية علاقة بالحرب ؟ كانت هناك معسكرات حربية مهيئة للقتال فلماذا لم تسقط عليها؟
ماركيز: كما أنها لم تسقطها على القصر الإمبراطوري، الذي يجب أن يكون المنطقة الاكثر تعرضا للقصف في قلب طوكيو. وأعتقد أن هذا كله يتضح من خلال حقيقة انهم كانوا يريدون ترك السلطة السياسية والقوة العسكرية سليمة من أجل التعجيل باجراء المفاوضات دون الحاجة إلى تقاسم الغنائم مع حلفائهم. انه شيء لم يشهده اي بلد اخر في أي وقت مضى من التاريخ البشري. والسؤال الآن: لو ان اليابان استسلمت من دون ضربها بالقنبلة الذرية، هل ستكون اليابان التي نعرفها اليوم؟
كوروساوا: من الصعب قول ذلك. الناس الذين نجوا من كارثة ناغازاكي لا يريدون أن يتذكروا تجربتهم لأن الغالبية منهم، ومن أجل البقاء على قيد الحياة، كان عليهم ترك آبائهم وامهاتهم وأطفالهم، إخوانهم وأخواتهم. ولا زالوا الى الآن غير قادرين على نسيان شعورهم بالذنب. وفيما بعد، قامت القوات الأمريكية التي احتلت البلاد لمدة ست سنوات باستخدام مختلف الوسائل لكي تسّرع من عملية النسيان، وتعاونت الحكومة اليابانية معها في ذلك. وانا على استعداد لفهم كل هذا كجزء من المأساة التي لا مفر منها والناتجة عن الحرب. ولكني أعتقد ، على أقل تقدير،ان على البلد الذي اسقط القنبلة ان يعتذر للشعب الياباني. والى ان يحدث ذلك فلن تنتهي هذه المأساة.
ماركيز: وهل ذلك امر مستبعد؟ الا تعتقد انه بالامكان تعويض سوء الحظ بحقبة طويلة من السعادة؟
كوروساوا: لقد شكل سقوط القنبلة الذرية نقطة انطلاق الحرب الباردة وسباق التسلح، وكانت بداية لعملية بناء واستخدام الطاقة النووية. وبمثل وجود مثل هذه الطاقة النووية فان السعادة غيرممكنة.
ماركيز: فهمت. ولدت الطاقة النووية كقوة ملعونة، والقوة التي تولد ملعونة هو موضوع مثالي بالنسبة لكوروساوا. ولكن ما يهمني هو أنك كنت لا تدين الطاقة النووية بحد ذاتها ، ولكن الطريقة التي تم فيها إساءة استخدامها منذ البداية. الكهرباء لا تزال شيئا مفيدا على الرغم من وجود الكرسي الكهربائي.
كوروساوا: إنه ليس الشيء ذاته. أعتقد أن الطاقة النووية هي بعيدة عن إمكانيات التحكم فيها من قبل البشر. في حال وجود خطأ في إدارة الطاقة النووية، فإن الكارثة التي ستنجم فورا ستكون هائلة وسيظل النشاط الإشعاعي لمئات من الأجيال. من ناحية أخرى، عندما يغلي الماء، فإنه يكفي أن ندعه يبرد ليزول خطره. دعونا نتوقف عن استخدام العناصر التي لا تزال تغلي منذ مئات الآلاف من السنين.
ماركيز: أنا مدين بقدر كبير لإيماني بالانسانية لأفلام كوروساوا. ولكن أنا أفهم أيضا موقفكم في ضوء الظلم الرهيب الناجم عن استخدام القنبلة الذرية فقط ضد المدنيين والأميركيين والتواطؤ الياباني مع الامريكان لجعل اليابان تنسى. ولكن يبدو لي انه من الظلم ايضا ان نرفض الطاقة النووية الى الأبد دون النظر الى ما يمكن إن تقدمه من منافع عظيمة للبشرية عند استخدامها للاغراض غير العسكرية. هناك خلط في المشاعر والناتج عن الحنق الذي تشعر به لمعرفتك ان اليابان قد نسيت الامر، ولأن المذنب، وهو الولايات المتحدة، لم يصل بها الامر إلى حد الاعتراف بذنبها وان تقدم الى الشعب الياباني الاعتذار الواجب عليها.
كوروساوا: سوف يكون البشر أكثر إنسانية عندما يدركون أن هناك جوانب من الواقع لا يمكن التسامح مع من يتلاعب بها. أنا لا أعتقد أن لدينا الحق في توليد اطفال دون شرج، أو خيول بثمانية أرجل، مثل ما يحدث في تشيرنوبيل. ولكني الآن أعتقد ان هذه المقابلة اصبحت جدية للغاية، وهذا ما لم يكن في نيتي.
ماركيز: لقد فعلنا الشيء الصحيح. عندما يناقش المرء موضوع خطيرا مثل هذا، لا يمكن له مناقشته الا بشكل جدي. هل الفيلم الذي انت بصدد الانتهاء منه يلقي أي ضوء على أفكارك في هذه المسألة؟
كوروساوا: ليس بشكل مباشر. كنت صحفيا شابا عندما أسقطت القنبلة، وكنت أرغب في كتابة مقالات حول ما حدث، ولكن كان ممنوعا عليّ على الإطلاق ان اكتب حتى انتهى الاحتلال. الآن، ولاجل اخراج هذا الفيلم، بدأت ببحث ودراسة هذا الموضوع، وأنا الان أعرف أكثر بكثير مما كنت اعرفه في ذلك الحين. ولكنني إذا عبرت عن أفكاري بشكل مباشر في الفيلم، فقدلا يسمح بعرضه في اليابان أو في أي مكان آخر.
ماركيز: هل تعتقد أنه قد يكون من الممكن نشر نص هذا الحوار؟
كوروساوا: ليس لدي أي اعتراض. على العكس تماما. يجب ان يعطي الكثير من الناس في العالم رأيهم في هذه القضية دون قيود من أي نوع.
ماركيز: شكرا جزيلا لك. ،. وعلى أية حال فلقد فهمت ما ترمي اليه. الحرب ليس فيها نفع لأحد.
كوروساوا: تماما. والمشكلة هي أنه عندما يبدأ إطلاق النار، فحتى المسيح والملائكة يتحولون إلى قادة عسكريين وجنود في الجيش.
