بعيداً عن ضرب الأخماس بالأسداس حول ملابسات الرحيل المفاجئ للدكتور أحمد الجلبي : هل هو حتم القضاء وحلول الأجل المسمى او نتيجة التسميم العمد بفعل فاعل او أكثر ، لتغييب الرجل عن الساحة الملغومة ، ودفن أسراره الخفية معه ، وبرغم تغلغل بذور الشك بتربة اليقين ، فقد شكّل إعلان رحيل الجلبي مفاجأة غير محسوبة ، فالرجل الأكاديمي الحاصل على شهادة عليا من جامعة أميركية مرموقة في مجال الاقتصاد والمال والأعمال ، كان رقما صعبا على نسيج الخارطة العراقية في وضعها الراهن .
الجلبي أحمد ، الكثير الأعداء والعداوات ، الكثير الحساد والخصوم ،الكثير المريدين والمنتفعين ،القليل الأصدقاء الحقيقيين ، المنزهين من هوى المنفعة الآنية او المصلحة الشخصية ، كان وسيظل مثيرا ومثارا للجدل ، كلما تصاعد سؤال : ماذا يبغي الرجل بعد تجاوزه سن السبعين ؟
الجلبي الذي رحل حتى من دون كلمة وداع لأحبائه ، كان كنز معلومات ، كنز خبرات ، كنز أسرار ، والذين قرأوا الخبر ، قرأوه مرتين ، الأولى للتأكد منه ، والثانية لاستقراء ملابساته ، فالرجل الذي كان كثيف الحضور في الذاكرة العراقية ، وعلى شاشات الفضائيات برغم اختلاف الأسماء والمسميات ، وحتى اختلاف الأجندات ... كان يبدو بكامل لياقته الصحية ، وكان أكثر ما يلفت النظر بتلك المقابلات ذاكرته الاستثنائية القوية ،لاسيما في عملية اختزان الأرقام — كبيرة وصغيرة — ونادراً ما كان يستعين بورقة مكتوبة ، وكنت كغيري نعجب برجل في السبعين له كل هذي الحافظة المذهلة في استذكار الأرقام الكبيرة ، كتلميذ نجيب يؤدي امتحاناً في الحساب ويحفظ النتائج عن ظهر قلب !
رحيل الجلبي المفاجئ — برغم تعدد الأسباب وتباينها — درسٌ للأحياء من ساسة ومسؤولين ، ممن لم يشبعوا من جاه مستعار أو مال حرام أو ملذات زائلة ، وما ارتووا من نفوذ زائف وسلطة مؤقتة …..فهل هناك مَن استوعب الدرس في رحيل الجلبي ؟ وهل هناك مَن يتعظ ؟؟
مَن يفضح السِرّ ؟
[post-views]
نشر في: 4 نوفمبر, 2015: 09:01 م