التقرير الذي نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، يوم الثلاثاء، يكشف "انكشافنا" الفاضح كدولة تفتقر لأدنى حدود الحصانة والمناعة ضد أي تدخل. بل الأصح القول إنه يكشف كيف سلّمنا رقابنا لغيرنا الذي ترك لنا، بدوره، حرية تحريك الأطراف الأخرى!
الصحيفة الاميركية توضح اساس ازمة الدولار التي ضربت الاسواق العراقية الصيف الماضي، وادت الى ارتفاع سعره امام الدينار العراقي. إذ تشير الى ان صندوق الاحتياط الفيدرالي امتنع، حينها، عن إطلاق ارصدة العراق لديه بسبب شكوك حول تسرّب الدولار الى كل من إيران وداعش.
مبدئياً يحق للولايات المتحدة ان تفرض سيطرتها على أغلى سلعة لديها وهي الدولار، العملة الوحيدة التي لا تمتلك غطاءً من الذهب بل تعتمد في قيمتها على العرض والطلب فقط، لكن هل من حقها خنق العراق، الذي يعيش ضائقة مالية حادة، لوجود شكوك بتسرب دولاراته الى داعش وإيران؟!
يقول تقرير "وول ستريت" إن الأزمة ما زالت قائمة، رغم تقديم البنك المركزي العراقي جميع البيانات التي طلبتها واشنطن بخصوص العملة الصعبة التي سحبها البنك المركزي العراقي من حسابه في "الخزانة الاميركية" بين عامي 2014 – 2015.
ما يثير الاستغراب هنا حجم الاستخفاف بالعراق، كدولة، رغم تبجّح الكثيرين، بمن فيهم الاميركان انفسهم، بانه "حليف وثيق". فالولايات المتحدة العاجزة عن محاسبة السعودية وقطر وتركيا ودول اخرى تدعم وترعى داعش وجماعات إرهابية، باعتراف جو بايدن، لا تجد سوى العراق، الذي شُرّعت أبواب اقتصاده لمن هبّ ودبّ، لكي يدفع ثمن "الفوضى الخلّاقة" في المنطقة.
وفي الوقت الذي تستعد واشنطن لإطلاق 100 مليار دولار من ارصدة ايران المجمدة، تأتي لتخنق بغداد وتحاسبها حسابا عسيرا لتدفق دولارات معدودة الى طهران التي نعتمد على بضائعها وبضائع تركيا والسعودية لتلبية احتياجتنا اليومية. فالعراق الجديد يستورد كل شيء بعد دمار صناعته وانقراض زراعته.
لماذا يوضع العراق، الذي يوصف بانه اميركي، على حافة الإفلاس، كما تقول الصحيفة الاميركية، لا لشيء سوى شكوك ابدتها CIA بشأن تدفق الدولارات الى داعش؟! لكن اميركا، اقوى دولة في العالم، تغضّ الطرف عن تدفق نفط داعش الى تركيا بمعدلات كبيرة تقدر بـ20 ألف برميل يوميا، مقابل ملايين الدولارات والآلاف من سيارات "تيويوتا" التي يستخدمها التنظيم الإرهابي في حركته بين الرقة والانبار بمرأى ومسمع أقمار العم سام!
الولايات المتحدة لم تبدِ اهتماما ولا قلقا من سوق الآثار، التي انتعشت في المنطقة، وتديرها داعش بالشراكة مع تجار معروفين ودور عرض غربية مرموقة. فالمتاجرة بآثار العراق وسوريا باتت تشكل ثاني مورد اقتصادي للتنظيم الذي تدعي واشنطن محاولتها لتجفيف موارده المالية، ولكن عبر خنق رئة العراق الاقتصادية!
وبمعزل عن قصة مزاد العملة، الذي أنشأه الاميركان انفسهم وأصروا على ضخ الدولار كآلية وحيدة لفرض التوازن في السوق العراقية، فان تقرير "وول ستريت" يلقي ضوءا كاشفا على انعدام سيطرة العراق على موارده وخضوعه بالتالي لإملاءات من هنا وهناك.
فبعد 12 عاما على إسقاط اميركا لصدام، يجد العراق نفسه مفلساً رغم تزايد معدلات إنتاج وتصدير بتروله. كما تجد بلاد النهرين نفسها عزلاء بلا سلاح وهي تستجدي الدعم من الشرق والغرب لمواجهة داعش، رغم إبرامها صفقات مليارية لشراء F16 والأبرامز والأباتشي مع واشنطن.
الضعف الذي كشفته "وول ستريت جورنا"، يفرض على العراق، إذا أُريد له ان يبقى دولة موحدة، رسم ستراتيجية واضحة لبناء تحالفات دولية متوازنة تحفظ ما تبقى من قوت أهله ودماء أبنائه.
لا خيلٌ ولا مالُ
[post-views]
نشر في: 4 نوفمبر, 2015: 09:01 م