TOP

جريدة المدى > تحقيقات > قدَّمت خبرتها للدول العربية والمنطقة..مَن يُعيد أمجاد شركات التأمين في العراق ؟

قدَّمت خبرتها للدول العربية والمنطقة..مَن يُعيد أمجاد شركات التأمين في العراق ؟

نشر في: 7 نوفمبر, 2015: 12:01 ص

لم يكن أبو سعد يتوقع أن يركض طفل من الزقاق الفرعي الى الشارع الرئيسي بهذه السرعة، إذ لم يتمكن من السيطرة على السيارة وإيقافها،فدُهِسَ الطفلُ الذي توفى، وفي ذات الوقت اصطدم بسيارة كانت تسير بالجهة الأخرى من الشارع. تجمّع الناس وجاءت الشرطة ودوَّنت أقو

لم يكن أبو سعد يتوقع أن يركض طفل من الزقاق الفرعي الى الشارع الرئيسي بهذه السرعة، إذ لم يتمكن من السيطرة على السيارة وإيقافها،فدُهِسَ الطفلُ الذي توفى، وفي ذات الوقت اصطدم بسيارة كانت تسير بالجهة الأخرى من الشارع. تجمّع الناس وجاءت الشرطة ودوَّنت أقوال الجميع، وبعد انتهاء فاتحة الطفل خرج أبو سعد من السجن، وتم الصلح العائلي الذي اشترط أن يأخذ القانون مجراه بالأمر، ويتم التعويض عن طريق شركة التأمين الوطنية، التي عوَّضت عائلة الطفل بمبلغ ملائم. 

استذكرت هذه الحكاية أمس الأول حينما حدث اصطدام بين عجلتين الأمر الذي وصل الى حـدِّ الضرب مع استخدام العيارات النارية والتهديد بالعشيرة، اذ تم الاتفاق في اليوم الثاني على تحديد موعد الفصل العشائري والتعويض بالاعتماد على مخطط شرطة المرور.

 

خبرات عراقية كبيرة
الخبير الاقتصادي د.صلاح العاني يُشير في حديثه لـ(المدى) إلى مطلع الستينيات حيث كان معدل الفائض المالي لدى المواطنين جيداً، اذ ارتأت الحكومة آنذاك أن تستثمر هذا الواقع في مؤسسة حكومية فتأسست شركة التأمين العراقية العامة. مبيناً: انها شركة ربحية تتوفر فيها الأجهزة الفنية والإدارات الجيدة التي تضع سياسات وخططاً لحماية الشركة من الخسائر. 
وأوضح العاني : أن العراق قدّم خدماته التأمينية في اليمن ومنطقة الخليج وليبيا والسودان. فقد ذهبت كوادر عراقية إلى تلك الدول وأسست شركات تأمين لصالح تلك الدول ولصالح القطاع الخاص فيها؛ اما الآن فقد تأثر هذا القطاع كغيره من القطاعات بسبب الأوضاع العامة في البلاد.
غياب وعي التأمين 
رئيس ديوان التأمين فيصل منهل يوضح لـ(المدى): منذ عام 1950 شهد قطاع التأمين في العراق نمواً وتصاعداً بالأداء في منطقة الشرق الأوسط، إذ يُعد القطاع الأبرز نتيجة تحقيقه الأهداف المرجوّة. مشيرا الى أن الظروف الحالية التي تعيشها البلاد وما تمرُّ به من أزمات مالية كانت أحد الأسباب الرئيسة لضعف المواطن للتوجّه نحو وثائق التأمين.
وتابع منهل: إلا أن حالة الفيضانات التي ضربت العديد من العوائل وما لحقها من أضرار مادية كان واجباً على شركات التأمين تعويض المتضررين في حال وجود وثيقة تأمين للبيت أو الأسرة من دون الحاجة الى التعويض الحكومي. موضحاً: أن الظروف المالية التي تعيشها الأُسر العراقية في الوقت الحاضر والظروف المالية الصعبة تكون احد الأسباب الرئيسة لعزوف المواطن عن التفكير بوثائق التأمين. مبيناً: أن هناك قطاعاً حكومياً يعمل في مجال التأمين والتعويضات كالسيارات العامة وهي مؤمنة وشركات الطيران العراقية وهناك خطوات للتأمين على الحياة للموظفين في دوائر الدولة، والآخر خاص والمتمثل بشركات تأمين خاصة لكن جميع تلك الشركات تعاني من غياب وعي التأمين لدى المواطن. 
 
الأزمات الاقتصادية والحروب 
المدير المفوض لشركة دار السلام للتأمين مرزا مجيد خان يقول لـ(المدى): يلعب قطاع التأمين في العديد من دول العالم دوراً مهماً وبارزاً في تنمية الاقتصاد، بل يُعد أحد الفنون المهمة فيه وقد صنعت الكوادر العراقية في مطلع الخمسينيات والمتخصصة في مجال التأمين صناعة وحرفة ضُرب بها المثل آنذاك، مسترسلا: إذ كانت الأقساط المتحققة للسنة الواحدة تقدر بـ( 700) مليون دولار واتجه الكثير من المواطنين الى شركات التأمين للحصول على الوثائق المتعلقة بالأسرة او البيت او الحماية من السرقة وغيرها.
واضاف خان: هذا القطاع شهد تراجعاً مطلع الثمانينيات وحتى الآن بسب الظروف التي مرَّت على البلاد والأزمات والحروب والوضع الاقتصادي الحالي للكثير من العوائل العراقية وهذا يصعب على ربِّ الأسرة أن يدفع أقساطاً شهرية لغرض التأمين، منوّهاً: ان هناك العشرات من شركات التأمين الخاصة تعمل في الوقت الحاضر البعض منها تُدار من قبل أشخاص غير مؤهلين وهذه أسباب إضافية تؤدي الى تراجع سوق التامين في العراق كون هذه المهنة نحتاج الى خبرة أشخاص لهم تجارب مع العديد من الحالات وهذا ينطبق على الحال ذاته لبعض إدارات شركات التامين في القطاع الحكومي .
 
العشيرة بـدل التأمين
تمارة عبدالله موظفة ادخال معلومات في إحدى شركات التأمين تقول لـ(المدى): للأسف أغلب العراقيين يجهلون الآن التأمين ولا يعرفون شيئاً عن ذلك. مضيفاً: ان البعض منهم حين يسمع بذلك يستغرب كثيرا، معتقداً: أن الأمر موجود في الأفلام والمسلسلات فقط! 
وأوضحت محمود: ان البعض ممن عاش خارج البلد يعرف عمل شركات التامين وما تقدمه من خدمات، اضافة الى الاجيال السابقة التي كانت تحرص على التامين بكل أنواعه، الأمر الذي جعل سلطة القانون هي الأعلى بعيداً عن حل الإشكالات والمشاكل بطرق بعيدة عن القانون والدولة. 
الوجيه العشائري مهدي التميمي أوضح لـ(المدى) أن أحد أسباب عدم اهتمام العراقيين بموضوعة التأمين على الحياة او الأموال او الأملاك هي الروابط الاجتماعية والعشائرية التي أخذت على عاتقها التكافل في ما بينها في حال حدوث أي طارئ او حادث، مضيفا: كذلك غياب الإعلام الذي يعمل على ايصال فكرة التامين الى المواطن وحثه على اقتناء وثيقة التامين، كذلك كل شركات التامين الحكومية والأهلية مقصِّرة في إفهام المواطنين بأهمية التامين. 
 
الفيضانات والفقراء
الخبير الاقتصادي مصباح كمال أشار في دراسة متخصصة بخصوص مخاطر الفيضانات وسُبل وجود سلسلة من الإجراءات السريعة والمناسبة من خلال توافر الإمكانية المالية للمعرَّضين لخطر الفيضان لشراء الحماية التأمينية المناسبة. موضحاً في تلك الدراسة: ان الانطباع السائد هو أن أكثر الناس تضرراً من الفيضان هم الفئات الفقيرة والمهمَّشة مثل هؤلاء لا يملكون ما يكفي من الدخل النقدي لشراء أي شكل من أشكال الحماية التأمينية. 
وبالنسبة للفئات الاجتماعية الأخرى التي تتوفر على دخل صغير لكنه مستمر، فإنها تميل إلى الإنفاق على المقتنيات المادية، ولا يظهر التأمين في سُلـَّم أولياتهم، ولذلك لا مناص لتدخل الدولة بالتعاون مع قطاع التأمين لإيجاد حلول اقتصادية تعتمد مبادئ التضامن الاجتماعي.
 
الاستفادة من تجارب عالمية 
واضاف الخبير الاقتصادي: ما يتعلق بدور قطاع التأمين في العراق، فإن الإمكانيات الأساسية، بالرغم من قلتها وهي متوفرة محلياً ويمكن تطويرها بالتعاون مع أطراف أخرى خارج القطاع للبدء بتطبيق فعلي للإجراءات المذكورة أعلاه. مستطردا: قد يحتاج القطاع إلى استدراج مساعدات فنية تأمينية وحماية إعادة التأمين من خارج العراق وتحقيق بعض هذه الإجراءات يقع على شركات التأمين العراقية ومن المفيد جداً دراسة نماذج التعامل مع أخطار الفيضان في دول أخرى.
 
علاقة عقدية وتأمينات
خبير التأمين سعد البدري ذكر في حديثه لـ(المدى) تسعى دول العالم عموماً إلى أن تؤمِّن العيش الكريم للمواطن من خلال دعمها لمؤسسات اجتماعية عاملة لا تمتلكها الدولة من اجل تخفيف العبء على المواطنين لأغراض صحية وعلاجية وضمانات اجتماعية، مضيفا: اذ تسعى هذه المؤسسات للرعاية الصحية والعلاجية في المستشفيات للحالات التي يتعرَّض لها الانسان وتحمِّلها مصاريف الفحص والعلاج وأجور المستشفيات مقابل اشتراك بسيط يدفعه المواطن لتلك المؤسسات التي ستتولى دفع هذه التكاليف، أما دور الدولة هنا هو دعم تلك المؤسسات مقابل تحمّلها جزءاً من الاشتراكات. 
وأوضح البدري: ان هناك مؤسسات تتولى منح إعانة إسكان او راتباً شهرياً للعاجزين عن العمل بسبب الإعاقة والعمر وغير ذلك. وتختلف نسب الاشتراك للفرد من عمر لآخر، منوِّهاً: هذه المؤسسات تتشابه في عملها مع شركات التأمين على الحياة لكن نطاقها اوسع واكبر ويكون للدولة والمنظمات الدولية دور في دعمها عكس شركات التأمين التي تتمثل بوجود علاقة عقدية بين الشركة والفرد تجرى بموجب هذه العلاقة التعويضات اللازمة.
وفي ما يخص حالات الكوارث الطبيعية قال خبير التأمين سعد البدري: حالات الكوارث العامة عادة تتحمّل الدول من ميزانياتها ما يحصل على الأفراد من أضرار مهما كان نوع اقتصاد البلد الذي تتبناه اقتصاد السوق - اقتصاد اشتراكي أو مركزي وغير ذلك، متابعاً: إلا أن ذلك لا يمنع المواطن من أن يقوم بالتأمين ضد المخاطر الطبيعية والحروب، وهنا يأتي دور شركات التأمين في قبول التأمين في ضوء احتمالية وقوع الخطر الطبيعي.
 
الخوف من الإفلاس
في حين يرى مجيد أنور مدير مفوض لشركة تعمل في مجال الاستيراد والتصدير بحديثه لـ(المدى) أن سوق التامين غائب في العراق تماماً بسبب عدم وجود ثقة متبادلة ما بين الراغب في التامين وبين الشركات، مشدداً: ان هذه الشركات يمكن ان تعلن الإفلاس أو ترفض إعطاء المبالغ المخصصة للتامين كما يحدث الآن في المصارف الخاصة كما أن هناك غير إنصاف في التعامل مع الشركات الصناعية المعروفة التي توفر فرص عمـل! 
 
الوعي الإعلامي 
رياض حبار صاحب محل بيع الملابس في شارع الخيام ذكر لـ(المدى) ان الوعي الإعلامي في قضايا التأمين متدنٍ جدا والجهات المختصة لم تبدِ أية إجراءات تطويرية او تشريعات قانونية للنهوض بهذا القطاع الحيوي والمهم، مسترسلا: في حين نرى ان شركات عملاقة مختصة في مجال التامين توثر على القرار الحكومي وقد قطعت الدول وشركات التامين أشواطاً طوالاً في هذا المجال من حياة الشعوب. 
اما مصطفى ستار مغترب فقد أوضح أن شركات التأمين في الولايات المتحدة الاميركية تعتبر التأمين إلزامياً ومنصوصاً عليه ضمن انظمة وقوانين الدولة، ولا توجد سيارة او مسكن او حياة مواطن لم يؤمَّن عليه، مضيفا: ان اقساط التأمين تدفع على شكل ضرائب مفروضة على المواطنين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟
تحقيقات

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟

 المدى/تبارك المجيد كانت الساعة تقترب من السابعة مساءً، والظلام قد بدأ يغطي المكان، تجمعنا نحن المتظاهرين عند الجامع المقابل لمدينة الجملة العصبية، وكانت الأجواء مشحونة بالتوتر، فجأة، بدأت أصوات الرصاص تعلو في الأفق،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram