TOP

جريدة المدى > تحقيقات > بيــن المدرسة والعـائلة..الدروسُ الخصوصية صــراعٌ لا ينتهـي؟

بيــن المدرسة والعـائلة..الدروسُ الخصوصية صــراعٌ لا ينتهـي؟

نشر في: 8 نوفمبر, 2015: 12:01 ص

ما أن بدأ العام الدراسي الجديد حتى بدأت مناقشات المدرس الخصوصي بين التلاميذ وذويهم، أزمة مالية يمكن أن تُضاف إلى الأزمات المتراكمة التي تُصيب ميزانية الأسرة بالعجز نتيجة المبالغ الكبيرة التي تقدَّم على طبق من ذهب الى المدرسين كل عام.. والطامة الكبرى

ما أن بدأ العام الدراسي الجديد حتى بدأت مناقشات المدرس الخصوصي بين التلاميذ وذويهم، أزمة مالية يمكن أن تُضاف إلى الأزمات المتراكمة التي تُصيب ميزانية الأسرة بالعجز نتيجة المبالغ الكبيرة التي تقدَّم على طبق من ذهب الى المدرسين كل عام.. والطامة الكبرى أن يكون هناك حجز مُسبق للأستاذ قبل بـدء العام الدراسي، لأنه يستقبل عدداً محدداً ولابدَّ من دفع مبلغ إضافي ليحصل الطالب على مقعـدٍ في بيته!

 

الإشراف التربوي والعقوبات 
مدير الإشراف التربوي في الكرخ الأولى د.مدحت حسين قال لـ(المدى): إن مسألة الدروس الخصوصية ممنوعة بشكل تام وكل اجتماع لإدارت المدارس والهيئات العلمية مع الإشراف التربوي يتم فيه التأكيد على منع التعامل والسماح للمدارسين بإعطاء دروس خصوصية. 
مشيراً الى أنَّ مَن يقوم بإعطاء الدروس الخصوصية هم من المتقاعدين او ممن لم يحصلوا على تعيين.
موضحاً: كما نلاحظ أن هناك مَن قام بالحصول على التقاعد مقابل خدمة سنة او سنتين ويمارس إعطاء الدروس مفاضلة منه من الناحية المادية، مستدركاً: لكن بالمقابل هذه كارثة علمية توثر على التعليم في العراق بشكل كامل ونحن نرفض تربوياً ذلك. لافتاً: أن لا قانون يمنع المتقاعد من إعطاء دروس خصوصية. وبشأن المدرس المستمر بالعمل قال مدير الإشراف التربوي في تربية الكرخ الاولى: المدرس المستمر بالخدمة ويقوم بإعطاء الدروس الخصوصية يُطبـّق ضده القانون ويُعاقب بالإنذار ومن ثم التوبيخ اضافة الى نقله الى مكان بعيــد عن سكنه، داعياً: كل مَن لدية معلومات دقيقة عن مَن يقوم بممارسة هذه العملية المرفوضة تربوياً الإبلاغ عنها .
 
إشكالات ونفقات متزايدة
واعتبرت عضو لجنة التربية النيابية النائبة غيداء كمبش في تصريح لـ(المدى ) أن التعليم يجب أن يرقى الى مستوى جيــد بحيث يستغني الطالب عن أخذ الدروس الخصوصية، منوِّهة: نحن كلجنة تربية دعينا في اكثر من مناسبة تربوية إلى ضرورة محاسبة مَن يقوم بذلك وهو ضمن كوادر وزارة التربية من غير المتقاعدين.
واضافت كمبش: هذا الأمر يحمّل كاهل الأسرة العراقية نفقات إضافية، متسائلة: لماذا لا يقوم المدرس بإيصال المعلومة الى الطلاب بشكل سهل كي يستغنوا عن أخذ الدروس الخصوصية؟ مؤكدة: لابد من مساعدة أولياء الأمور والتعاون مع وزارة التربية في حالة وجود مدرسين يتعمدون أخذ الدروس للتلاميذ للقضاء على تنامي هذه الظاهرة التي اتسعت بشكل كبير في الفترة الاخيرة والتي تُسبب إشكالات كثيرة للعملية التربوية والتعليمية في العراق!
 
حجـزٌ مُسبَق والنجاحُ مضمونٌ 
عواطف جاسم والدة لطالبين في المرحلتين المتوسطة والإعدادية تقول لـ(المدى): أغلب الطلاب لا يستوعبون شرح المدرس الذي قد يتعمّد بذلك او لضعف مستواه العلمي والمهني، مبينة: أنه يعود ويقول لهم مَن لم يفهم المادة أستطيع شرحه له مقابل مبلغ عشرة آلاف للساعة الواحدة في البيت ومَن يرفض عليه أن يفهم المادة بنفسه؟!
وأضافت جاسم: لذلك أصبحت الدروس الخصوصية ضرورة تقتضيها الظروف وهي تقدم خدمة مميزة لمن يدفع المال! متسائلة: اين ضمير هؤلاء المدرسين وهم يتقاضون رواتب مقابل عملهم؟
من جهته قال باسم قاسم الذي فضّل الحديث عن معاناة ابنه في المرحلة الأخيرة من الدراسة المتوسطة: إننا نجد أنفسنا مضطرين للبحث عن أُستاذ لتدريس أبنائنا في البيت، مضيفاً: نقوم بالحجز مبكراً كي أضمن لهم مكاناً عند الأساتذة الذين يتمتعون بسمعة تدريسية جيدة، إذ يحصل طلابهم على درجات ممتازة في الامتحانات الوزارية العامة.
واضاف قاسم: الطلاب يقولون إن الأسئلة التي يعطيها لهم المدرس في الحصص الخصوصية تأتي متشابهة لأسئلة الامتحانات النهائية، متابعا: هذه السنة اضطررت الى الذهاب الى استاذ يسكن بعيداً عن محلة سكننا للحصول على مكان لابني لمادة اللغة الإنكليزية وبسعر مئتين الف دينار لعشر محاضرات فقط! منوِّهاً: إنه بسبب هذه التكاليف الزائدة عن الحاجة ضعف مستوى الكوادر التدريسية التي لا تقوم بواجبها التعليمي والتربوي بشكل صحيح.
 
تجـارة ربحيـة
بينما قالت أم فنـار: نعاني الأمرين عند انتهاء العام الدراسي وبدئـه وذلك بسبب  الحجز المسبق للمدرسين الخصوصين الأكفاء والمشهورين وابنتي ضعيفة بمادة الرياضيات. مسترسلة: انها أُصيبت بحالة نفسية بعدما فاجأنا المدرس بغلق الحجز لاكتمال العدد، خاصة ان اغلب زميلاتها حجزن مكانهن مسبقاً.
وأضافت أم فنار: بعد معاناة وتوسلات وافق الأستاذ على انضمام ابنتي الى درسه الخصوصي. مشيرة: الى معاناة أخرى في ذهابها وإيابها كل اسبوع مرتين، الامر الذي اضطرها الى تأجير سيارة اجرة بميلغ (20) الف دينار ، لأنه لا يوجد لديَّ حلّ آخر. مستطردة: ان وزارة التربية وكوادرها التعليمية حوّلت التعليم من مهنة خدمية شريفة الى تجارة ربحية. مبدية أسفها على ذلك ما انعكس على المستوى العلمي. فالطالب وأسرته لا همَّ لهم غير النجاح وترك مرحلة دراسية والتقدم صوب أخرى.
 
المجتمع هو السبب في انتشارها 
ويرى الكثير من المتخصصين أن للمجتمع دوراً كبيراً في انتشار الدروس الخصوصية حيث اصبح الناس يتفننون في اطلاق الالقاب على نجوم التدريس وحتى اغلب الأحيان عمل الدعاية لهم من خلال ترشيح استاذ لأولادهم وأولاد مَن يعرفونهم من الأقارب والأصدقاء. 
وأشار الباحث الاجتماعي ناهض محمد/ جامعة بغداد/ في حديثة لـ(المدى)، في السابق كان الإقبال على الدروس الخصوصية قليلا جدا ولكن النظام الحالي شتت ذهن الطالب وزاد الأعباء الملقاة على عاتق الأسرة، مضيفاً: حتى إذا كان وضع الأسرة جيداً من الناحية المالية إلا انها تجد ذلك استهلاكاً لميزانيتها المالية.
واسترسل محمد: تحوّل البعض من مدراء المدارس إلى مجرد قائمين على جمع الاموال من دون متابعة لسير العملية التعليمية ولا تهمهم مستويات التلاميذ، لذلك يفضّل أولياء الأمور ان يأخذ أبناؤهم دروساً خصوصية عند أساتذة بارعين، مؤكدا: إن للظاهرة اسباباً كثيرة ومتشابكة حيث جزء منها يتعلق بالطالب وأسرته وآخر يرجع للعملية التعليمية نفسها.
 
إجراءات ومحاسبة ولكـن!
المتحدثة الرسمية لوزارة التربية هديل العامري أكدت بحديثها لـ(المدى) أن وزارة التربية تشدد من إجراءاتها على كل المدارس وإداراتها بمحاسبة الكوادر التدريسية التي تخالف الانظمة والقوانين التربوية، مشددة: ان مديريات الإشراف التربوي تعمل من اجل القضاء على هذه الظاهرة التي تسيء للعملية التربوية في العراق .
 
نسب نجاح مرتفعة 
المشرف التربوي المتقاعد ابراهيم عبدالواحد أوضح في حديثه لـ(المدى) ان موضوع دورات التقوية والدروس الخصوصية يشغل مختلف شرائح المجتمع العراقي الذي بات يعاني من هذه الظاهرة مادياً، مضيفاً: لو تمعنا النظر لهذه الظاهرة فإننا نجدها ذات مردودات ايجابية للطالب والعائلة من حيث الحصول على الدرجات العالية، مستدركاً: لكنها في الوقت نفسه تؤشر حالة سلبية أداء مدارسنا وخاصة المتوسطة والإعدادية متمثلة بتقاعس البعض في أداء واجباتهم بالشكل السليم والصحيح والمستوى المتدني للكثير من المدرسين والمدرسات. 
وأضاف عبدالواحد: هذا المستوى المتدني غير مؤشر في سجلات التربية لأنها تتعامل مع المدرس والمدرسة وفق نسب النجاح ونسب النجاح عالية ولكن ليس بفضل جهودهم ، بل بسبب الدروس الخصوصية ودورات التقوية التي يدفع الآباء مبالغ كثيرة للمدرسين.
 
الكورسات تقضي على الخصوصي
وزير التربية د. محمد إقبال أكــد على تعميم تجربة نظام الكورسات على الصفوف غير المنتهية للمراحل المتوسطة والإعدادية ابتداءً من العام الدراسي المقبل، مشيدا بتجربة هذا العام التي ُطبقت على الصف الرابع الإعدادي.
وأضاف د. إقبال في بيان صحفي : إن تجربة الوزارة لنظام الكورسات على الصف الرابع الاعدادي اثبتت نجاحها وبشكل كبير، مبينا: ان نسبة النجاح ارتفعت كما لمسنا ارتياحا لدى الطلبة وعوائلهم.
وأوضح وزير التربية أن أحد وسائل القضاء على التدريس الخصوصي هو اقرار وتعميم نظام الكورسات لأنه يتيح للطالب قراءة المادة بشكل ميسر ومبسط فضلا عن قلة المواد المطالب بها في الامتحانات النهائية مما يقلل من اعتماد الطلبة على التدريس الخصوصي، مشيراً: إلى ان نظام الكورسات عالمي ومُعتمد في اغلب دول العالم المتطورة ولا بدّ للعراق من اللحاق بركابهم في ميدان العلـم والمعرفة.
 
إصلاحات التربية
عضو لجنة التربية النيابية رياض غالي، أكد ان اللجنة حددت عقوبة الابعاد النهائي عن التدريس لكل مدرس يعطي دروساً خصوصية، فيما طالب مديريات وزارة التربية بتقديم المدرسين المخالفين.
وقال غالي في حديث صحفي: إن اللجنة باعتبارها لجنة رقابية حددت عقوبة لكل مدرس يعطي دروسا خصوصية للطلبة بابعاده عن التدريس نهائياً ونقله الى وظيفة ادارية، مضيفاً: أن اللجنة تطالب جميع مديريات التربية بتقديم المدرسين الذين يعطون الدروس الخصوصية من اجل فتح تحقيق معهم ومن ثم معاقبتهم، مبيناً ان البلد يشهد إصلاحات على المستويات كافة ومنها التربية.
 
ارتفاع الأُمية
قانون وزارة التربية رقم (22 ) لسنة 2011 والمنشور على موقع وزارة التربية تنص المادة -3 – خامسا – تهيئة المعلمين والمدرسين والمشرفين التربويين والمسؤولين عن ادارة العملية التربوية والإشراف عليها وإعادة تدريبهم أثناء الخدمة وتطوير قدراتهم المهنية والعلمية .
وبحسب تقرير اليونسكو فإن العراق في فترة ما قبل حرب الخليج الثانية عام 1991 كان يمتلك نظاما تعليميا يعتبر من أفضل أنظمة التعليم في المنطقة، كذلك كانت نسبة القادرين على القراءة والكتابة في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي عالية لكن التعليم عانى الكثير بسبب ما تعرض له العراق من حروب وحصار وانعدام الأمن، حيث وصلت نسبة الأمية حاليا إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ التعليم الحديث بالعراق.
 
العائلة تتحمّل المسؤولية
المدرس هيثم احمد ذكر بحديثه لـ(المدى) بالطبع هناك أسباب عـدة لانتشار ظاهرة التدريس الخصوصي لكن علينا أن لا نرمي الكرة في ملعب الكوادر التدريسية فحسب، مشيراً: الى ظاهرة الدوام الثلاثي والرباعي الذي ترك اثراً على وقت الحصة التدريسية، لافتاً: الى عدد الطلاب الكبير في كل صف الامر الذي يجعل من الصعوبة إيصال الدرس الى الجميع بذات المستوى.
واسترسل احمد: هناك تقصير عند بعض العوائل التي لا تتابع أبناءه او تسألهم عن انجاز الدروس ومتابعتها بشكل جدّي، منوهاً: إن هذا الأمر يضاف الى تقصير بعض ادارات المدارس في متابعة المدرسين الذين يتقاعسون عن أداء واجبهم بشكل صحيح.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟
تحقيقات

حملة حصر السلاح في العراق: هل تكفي المبادرات الحكومية لفرض سيادة الدولة؟

 المدى/تبارك المجيد كانت الساعة تقترب من السابعة مساءً، والظلام قد بدأ يغطي المكان، تجمعنا نحن المتظاهرين عند الجامع المقابل لمدينة الجملة العصبية، وكانت الأجواء مشحونة بالتوتر، فجأة، بدأت أصوات الرصاص تعلو في الأفق،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram