(1-2)
انقسم المنظرون للكوميديا، قديماً وحديثاً، الى فئتين: الاولى، تعتقد ان الكوميديا تضيء للجمهور بعض المعايب لدى البشر . الثانية، تعتقد ان الكوميديا تظلّم للجمهور طريقهم في الحياة حين تكشف معايب البشر، ترأس (ارسطو) الفئة الاولى وترأس (افلاطون) الفئة الثانية. ويتركز الاختلاف بين الفئتين حول المعنى وحول السؤال الثاني: هل تخلف الكوميديا معنى او تميته؟
وتعتبر الفئة الاولى اجابة للسؤال، الانسان مفكرٌ ومليء بالروح وهناك امكانية لتحسينه واكتماله بينما تعتبر الفئة الثانية بان الانسان عاطفي حيواني وشيطاني.
يُعد (جورج ميريديث) من الفئة الاولى للمنظرين للكوميديا المضيئة وفي (مقالة في الكوميديا) يذكر بان الكوميديا تحتاج الى قدر كبير من الحساسية ومن التفكير المركب وان مقصد الكاتب الكوميدي شفاء افراد المجتمع من داء المشابهة وتعليمهم الاستفادة من الوعي وفهم العالم المحيط بهم وجوهر الفطرة السليمة والمساواة بين الناس حيث تتم تعرية الدجالين والمغفلين والظلمة وادانتهم وافضل مثال لذلك مسرحيات موليير، وتؤكد نظرية (ميريديث) على المعقولية والتبرير والقيم الاجتماعية للكوميديا الجيدة . ويأتي (هنري برغسون) ثانياً في التنظير للكوميديا المضيئة. في كتابه (الضحك) يوضح بان الكوميديا ظاهرة انسانية متفردة ويجب عدم مقارنتها بتكشيرة الحيوان فهي ترنو الى الفطنة وتنتفع من التغرض والاجحاف او الاذى الاجتماعي بدون اثارة للعواطف ويعتقد بان كل ما هو آلي في الحياة وكل ما هو متخشب يثير الضحك وان الشخص المضحك لا يعي عيوبه بل يخفيها بقناع مع انها ظاهرة لعيان الاخرين .
ويرى (برغسون) ان هدف الكوميديا هو الاصلاح الاجتماعي عن طريق الضحك ويعرف الكوميدي كونه قشرة آلية تقوقع الحياة .. واذا كانت الكوميديا تتعامل مع ما هو عام وشمولي فان شخصياتها تمثل انماطاً من البشر يتصفون بصفات مشتركة . ويرى (برغسون) ايضا باننا لا يمكن ان ندرك الواقع ونقيمه الا بعد ان ننفصل عنه ونراه عن بعد.فالكوميديا تجمع بين ما هو حقيقي وما هو محتمل والضحك يكيف الفرد للجمع . وبحالاتها اللامعقولة تشابه الكوميديا الصور الحلمية وبالتالي تدعو الى الاسترخاء وتهيئ الناس للعب. ولكن الكوميديا تتعمد الاذلال عندما تصبح وقحة حيث تستخدم القسوة التي تتمثل في سلوك الشخصية الكوميدية . ويؤدي الضحك الى شفاء الانسان من عدوانيته وبذلك يتجدد المجتمع . واذا كان (برغسون) يرى ان في الكوميديا جوانب كثيرة مضيئة فإن فيها ايضا جوانب اخرى عاطفية مظلمة.
ترى (سوزان لانغر) وهي من فئة المنظرين للكوميديا المضيئة بان هناك في الكوميديا اشارات للحظ السعيد في المستقبل وذلك بالضد من التراجيديا التي تنظر الى المستقبل كمصير محتوم.
وترى ان هدف الشخصية الكوميدية هو كسر التوقع بشكل فجائي والتفريج النفسي والفكري وتحرير للطاقة عن طريق الضحك ويصبح التفريج هبة من هبات الحياة واستمرارها. وبالنسبة للانغر ليس هناك ما هو نهائي في الكوميديا وليس هناك من انتصار وهدية بل هناك حركة مستمرة وسلسلة من الصدامات في مجرى الحياة. وركزت (لانغر) على الجانب العاطفي في الكوميديا الذي قلله (بيرغسون) ومع هذا فهي لا ترى ان الكوميديا ضد المنطق ومدمرة للجتمع كما يدعي منظرو الكوميديا المظلمة بل تراها خلاّقة اجتماعياً وقوة واقية له.
يرى (فراي) ان هناك ازدواجية في الكوميديا وهناك تناقض وهناك توتر بين المشاركة والانفصال – مشاركة المتفرج وانفصاله وبهدف الفعل الكوميدي الى ازالة الضغوط ومنها الضغوط الجنسية عن طريق انفجار السرور الشهواني..
نظريتان للكوميديا (المضيئة والظلماء)!!
[post-views]
نشر في: 9 نوفمبر, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...