من تقاليد العمل الصحفي، والإعلامي عامة، في بريطانيا أن تنقل الصحف في طبعاتها الثانية أخباراً وقصصاً أخبارية منقولة عن الصحف الأخرى، وهي عادة أخبار ذات أهمية كبيرة للجمهور انفردت بها الصحيفة الأولى وحققت لنفسها سبقاً صحفياً. الغارديان مثلاً تنشر في طبعتها الثانية الخاصة بلندن والمناطق القريبة خبراً أو ملخّصاً لحوار منشور في الطبعة الأولى للتايمز أو التليغراف، وبالعكس.
ومثل هذا يحصل في قنوات التلفزيون ومحطات الإذاعة. والقاعدة التي ترتكن إليها إعادة النشر والبثّ هي حق الجمهور في المعرفة، وإذا كانت وسيلة إعلامية قد نشرت أو بثّت معلومات تهمّ الجمهور وتحقق له منفعة مادية أو معنوية، يمكن لوسيلة إعلامية أخرى إعادة النشر أو البث مع التقيّد الكامل بقواعد مهنة الإعلام وأخلاقياتها، وهذه القواعد والأخلاقيات تفرض على الوسيلة الإعلامية الناقلة ذكر المصدر على نحو واضح، وعدم التحريف في المنقول مما هو منشور أو مبثوث، وعدم الاجتزاء المخلّ الذي يعطي إدراكاً أو انطباعاً يخالف ما قصده أو ابتغاه المصدر الأصلي للمعلومات.
هذا الكلام مناسبته الخرق الفاضح لقواعد المهنة وأخلاقها، الذي مارسته مواقع إلكترونية ووكالات أخبارية محلية حيال ما نشرته "المدى"، الوكالة والصحيفة والقناة التلفزيونية، بشأن عمليات تهريب العملة وغسل الأموال التي شخّصتها اللجنة المالية في مجلس النواب وحصلت عليها "المدى" من رئيس اللجنة النائب الراحل أحمد الجلبي قبيل وفاته. هذه المواقع والوكالات عدا عن أنها لم تكلّف نفسها الإشارة، مجرد الإشارة للمصدر (المدى)، فإن البعض منها نسبها إلى نفسه فبدا الأمر كما لو أنّ الراحل الجلبي قد خصّه بها.
المؤسف أن هذه ممارسة روتينية في حياتنا الإعلامية، تجري على مدار الساعة، كما هي ممارسة روتينية نشر المعلومات الملفّقة وغير المدقّقة، وبينها الكثير من المعلومات التي تلحق أضراراً جسيمة بالمجتمع والدولة، كتلك التي تؤجّج النعرات الطائفية والقومية والسياسية والحزبية.
الكذب ليس إعلاماً. إنه فعل يعكس فقدان الوازع الأخلاقي، وهو يشبه فعل السرقة، وسرقة الأخبار والمعلومات وسائر أشكال وأنواع السرقات الأدبية والفكرية لا تفرّق في شيء عن سرقة الأموال العامة أو الخاصة. وإذا كان سارق الأموال العامة أو الخاصة بأي صورة وشكل، يوصف بأنه فاسد، فإن السرقات الأدبية والفكرية هي الأخرى شكل من أشكال الفساد، والقائمون بها فاسدون بامتياز. هل سيتورّع سارق الأخبار والأفكار عن سرقة الأموال إذا ما تسنّى له ذلك؟!
فساد آخر.. إعلامي
[post-views]
نشر في: 9 نوفمبر, 2015: 09:01 م