TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الشاعر أنتيكة ساذجة

الشاعر أنتيكة ساذجة

نشر في: 10 نوفمبر, 2015: 09:01 م

لمناسبة اللغط الكثير الذي أُثير مؤخراً وتباين الآراء في واقعة موت الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد ومن قبله موت زعيم حزب المؤتمر الوطني الدكتور أحمد الجلبي والبيان الذي أصدره اتحاد الادباء والكتاب- المركز العام- الذي رفض فيه إقامة مراسيم عزاء لموت الشاعر عبدالرزاق، ولأن الحديث يتسع على صفحات الجريدة أكثر منه على مواقع الفيسبوك، كما أنه يجنبنا تقاطع الآراء، أجد ان دوراً ضروريا يجب أن تضطلع به وزارة الثقافة واللجنة الثقافية في البرلمان العراقي وكذلك اتحاد الادباء. أختصره بأهمية قيام الجهات المعنية هذه وأخذ زمام المبادرة في مناقشة احوال وراهن الثقافة العراقية جراء تقاطع الآراء وخطابات الوطنية والتخوين المجانية وغير المسؤولة أحيانا، كيما نحرر من خلال ذلك موقفاً عراقياً واضحاً، نبني فيه صرح مستقبل ثقافة اجيالنا من جهة، ولكي نتقدم إلى العالم كشعب ذي حضارة عريقة، يحترم ثقافته ويتطلع الى العيش داخله بسلام وطمأنينة بعيداً عن عقلية كهوف الظلام والاستبداد.
ومما يؤسف له أن المؤسستين الثقافية والسياسية عندنا لم تُدركا بعد عظمة وأهمية الفعل الثقافي العراقي، وتغفلا - لأنهما غافلتان في الأصل- الحضور الثقافي الفاعل هذا بين الاوساط العربية، بل هما لا تُدركا أيضاً سرَّ العظمة وفرادتها والمتأتية في الاصل من قوتها وتباينها واختلافها، فضلاً عن فاعليتها وتأثيرها هناك، وقد لا يصدّق البعض منهم قولنا بأنَّ كلَّ كلام في الثقافة والسياسة العربيين يجري في أي بلــد من بلدان العربية لا يكون كاملا ولا يبلغ معانيه ما لم يجر الحديث فيه عن الجواهري وبدر شاكر السياب وعبدالوهاب البياتي ونازك الملائكة وبلند الحيدري وسعدي يوسف وعبدالرزاق عبد الواحد ومحمد خضير وعبدالكريم قاسم ونوري السعيد وجواد سليم ومحمد غني حكمت وخالد الرحال واسماعيل فتاح الترك وضياء العزاوي وناظم الغزالي وصدام حسين ونوري المالكي وأحمد الجلبي وبغداد والبصرة ونصير شمه وشارع الرشيد وتمثال ابي جعفر المنصور وشارع المتنبي وزها حديد ووو...
نحن بلاد الرافدين، الميزوبوتيميا، بلاد سومر وأكــد وآشور، نحن شعب عصي وصعب، مختلف عن باقي شعوب العرب والمنطقة، فيه من القوة بما ليس في الشعوب التي تجاورنا، ونحن أمة ذات شأن عظيم والله، لكن لا يدرك القائمون على أمرها جوهر عظمتها هذا، عظمة البلاد كامنة في اختلاف تضاريس الأرض فيها وفي تنوع الأعراق والأديان والمذاهب والطوائف، في الحب والقسوة والغضب واللين والقهر والاستبداد والتطرف أيضاً، وهذه عناصر قوة ومكانة على العكس مما يتصوره آخرون على انها الضعف والهوان. مَن يجالس زملاءه من العرب خارج العراق تتضح له الصورة اكثر، ليس بين العرب من يملك الثراء هذا أو بعضه، ولا أريد أن أُجدد قولا سبقني إليه الكثيرون فالصورة العراقية في الذهن الانساني كبيرة، بكل ما فيها من تناقضات، بكل ما فيها من تقدم ورفعة وبكل ما فيها من آلام وأوجاع وقهــر، فلا يبخسن أحدٌ حقنا في ذلك.
أجد أنَّ الدعوة متأخرة لتأسيس متحف يضم مقتنيات صدام حسين شريطة ان يقام في أحد قصوره، تعرض فيه كل شاردة وواردة لديه، من الثياب إلى البنادق والتحف والنياشين والهدايا ومقتنياته الشخصية حتى خطاطات وقصاصات الصحف بما فيها قصائد عبدالرزاق وغيره من الشعراء، ومثل ذلك لكبار البعثيين في قيادته.
مهم جداً أن نحفظ لأجيالنا صورة العراق في أقسى مراحله السياسية. التأسيس للمعرض لا يعني كرامة أو إساءة لأحد، إنما رقي وحضارة وهو تاريخ بلاد ومرحلة من أصعب المراحل فضلاً عن كونه سيأتي بمردود مالي كبير، ويفتح نافذة فكرية وثقافة جديدة نتسامى فيها على ما حلَّ بنا ذات يوم، غير خائفين ولا وجلين من هزائمنا وتعثر الحياة فينا.
لنا أن نتصور القيمة والدهشة في وقوفنا امام متحف وثائقي ضخم يضم محاضر اجتماعات ومسودات وصور لرجالات المعارضة العراقية، يتوسطهم الدكتور أحمد الجلبي ومثل ذلك لإياد علاوي والذين ساهموا بتغيير نظام الحكم، لسنا في عارض المديح والذم هنا. ففي متحف الشمع بلبنان يجد السائح تماثيل لصدام حسين ومحمد سعيد الصحاف مع المطربة صباح ونصري شمس الدين وكمال جنبلاط وريمون أدّه وغيرهم مع تسجيلات صوتية لهم. أشياء جادة وأخرى ساخرة . تُرى ما أحوجنا لصوت نوري السعيد وعبدالكريم قاسم وللسياب والجواهري وحتى عبدالرزاق عبدالواحد أيضاً وهو يمدح صدام حسين.
ألا نؤمن بلعبة الزمن الذي يحوّل الواقعة المرعبة إلى أنتيكة ساذجة!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. ابو اصيل

    راي جميل وواقعي ووطني بامتياز فجميع من ذكرتهم هم جزء من ذاكرة وطن بحلوها ومرها ,ومتى كان وطننا ابيضا لنحاول الان طمر صفحاته السود.

  2. ابو اصيل

    راي جميل وواقعي ووطني بامتياز فجميع من ذكرتهم هم جزء من ذاكرة وطن بحلوها ومرها ,ومتى كان وطننا ابيضا لنحاول الان طمر صفحاته السود.

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

 علي حسين كان العراقي عصمت كتاني وهو يقف وسط قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة، يشعرك بأنك ترى شيئا من تاريخ وخصائص العراق.. كان رجل الآفاق في الدبلوماسية وفي السياسة، حارساً لمصالح البلاد، وحين...
علي حسين

قناطر: بغداد؛ اشراقةُ كلِّ دجلةٍ وشمس

طالب عبد العزيز ما الذي نريده في بغداد؟ وما الذي نكرهه فيها؟ نحن القادمين اليها من الجنوب، لا نشبه أهلها إنما نشبه العرب المغرمين بها، لأنَّ بغداد لا تُكره، إذْ كلُّ ما فيها جميل...
طالب عبد العزيز

صوت العراق الخافت… أزمة دبلوماسية أم أزمة دولة؟

حسن الجنابي حصل انحسار وضعف في مؤسسات الدولة العراقية منذ التسعينات. وانكمشت مكانة العراق الدولية وتراجعت قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية، وانتهى الأمر بالاحتلال العسكري. اندفعت دول الإقليم لملء الفراغ في كواليس السياسة الدولية في...
حسن الجنابي

إدارة الاقتصاد العراقي: الحاجة الملحة لحكومة اقتصادية متخصصة

د. سهام يوسف بعد مصادقة المحكمة الأتحادية على نتائج الانتخابات الأخيرة، يقف العراق على أعتاب تشكيل حكومة جديدة. هذه الحكومة ستكون اختبارًا حقيقيًا لإصلاح الاقتصاد العراقي المتعثر، حيث تتوقف عليه قدرة البلاد على مواجهة...
سهام يوسف علي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram