أحدثَ القائمون على مهرجان لندن للفيلم الكردي في دورته التاسعة تغييرًا جذريًا في هيكله العام. فبدلاً من عرض 120 فيلمًا كمعدلٍ عام في كل دورة وقع اختيار لجان الفحص وانتقاء الأفلام على 30 فيلمًا روائيًا ووثائقيًا وقصيرًا فقط، وحجتهم في ذلك إتاحة الفرصة
أحدثَ القائمون على مهرجان لندن للفيلم الكردي في دورته التاسعة تغييرًا جذريًا في هيكله العام. فبدلاً من عرض 120 فيلمًا كمعدلٍ عام في كل دورة وقع اختيار لجان الفحص وانتقاء الأفلام على 30 فيلمًا روائيًا ووثائقيًا وقصيرًا فقط، وحجتهم في ذلك إتاحة الفرصة لمحبي السينما الكردية ولضيوف المهرجان لأن يشاهدوا كل الأفلام المعروضة خلال أيام المهرجان السبعة التي تمتد من 13 ولغاية 20 تشرين الثاني الجاري، خلافًا للدورات السابقة التي كانت تُعرض فيها ثلاثة أفلام بتوقيت واحد الأمر الذي يحرم المتلقين من مشاهدتها، والاستمتاع بثيماتها ولغتها البصرية الجميلة.
ما يميز مهرجان لندن للفيلم الكردي أن المسابقة الرسمية لا تشمل الأفلام الروائية والوثائقية كما هو معروف في كل المهرجانات السينمائية المحلية والعالمية، وإنما تقتصر على الأفلام القصيرة التي تشارك في مسابقة يلماز غوناي، الأب الروحي للسينما الكردية. وقبل الخوض في تفاصيل هذه المسابقة الوحيدة في المهرجان لابد من الإشارة إلى أن لجنة الفحص والاختيار قد شملت هذا العام خمس شخصيات سينمائية وهي باشاك بايهان، ملك أردال، أوليفيا واتسون، هافي إبراهيم وسِنا فتّاح من دون أن ننسى دور الأستاذ عطا مفتي ليس بوصفه رئيسًا للمهرجان، وإنما العصب النابض في كل تفاصيله الصغيرة منها والكبيرة على حد سواء. كما تألفت لجنة التحكيم لهذه الدورة من خمس شخصيات سينمائية معروفة وهي على التوالي جوليا ساكو، لاورا إيفرز جونز، بري إبراهيم، شلير . ب . مردوكي وسونجيم كوجر.
مسابقة يلماز غوناي للأفلام القصيرة
تتوزع ثيمات الأفلام القصيرة غالبًا على موضوعات حساسة تشغل بال المواطن الكردي في الأقاليم الكردية الأربعة منها الحُب، والحرب، والغربة، والتهجير القسري، والسجون، والتعذيب، والاغتصاب، وحظر اللغة الكردية وما إلى ذلك. وأول الأفلام العشرة المشاركة في مسابقة يلماز غوناي للأفلام القصيرة هو فيلم "صيّاد سيئ" للمخرج العراقي عمر سهيم خليفة. يروي هذا الفيلم قصة صياد شاب يشاهد فتاة تتعرض للاغتصاب فيقوم بمساعدتها في تعديل مظهرها الخارجي علّها تنجو من العقاب الأسري لكن هذه المساعدة النبيلة تنقلب وبالاً عليه. من بين أفلامه المهمة فيلم "ميسي بغداد" الذي فاز بالعديد من الجوائز.
يروي فيلم "سبع حجرات"Seven Stones لفاطمة داستمارد قصة سبعة أطفال يلعبون بكرة قرب النهر بينما تحلّق فوقهم حوّامة عسكرية ستُغير مجرى الأحداث حينما يذهب برهان لجلب الكرة التي رماها بعيدًا فينجو مما لا تُحمد عقباه. اشتركت فاطمة العام الماضي في المسابقة بفيلم "درب الحياة" الذي أثنت عليه لجنة التحكيم وقالت "إن المخرجة قد نجحت في مدة قصيرة من الزمن أن تروي لنا قصة حزينة عن الطفولة في كردستان من زواية فريدة من نوعها". ومن أفلامها القصيرة الأخرى فيلم "صمت المستنقعات" الذي عُرض في أكثر من مهرجان دولي.
تشتمل المسابقة على أفلام التحريك ومن بينها فيلم "And now the man" لإيراج محمدي رزيني الذي يتتبع حلم امرأة تتحول عيناها إلى طائر يبدأ برحلة عبر الزمان والمكان. يتيح هذا الفيلم خيالاً واسعًا لتفسير الأبعاد الرمزية من خلال التفاعل بين الصور المجازية البسيطة والمعقدة.
ثمة فيلم آخر من أفلام التحريك يخوض غمار هذه المسابقة وهو "واحدة من بين آلاف" لباران محمد ريحاني الذي يتمحور على الفتيات الفقيرات في آسيا حيث ينسجن أحلامهن في سجادات معقدة لافتة للأنظار.
يتعاطى سيرهات كاراسلان في فيلم "آيس كريم" مع ثيمة بسيطة تقوم على مقايضة بعض الحاجيات المنزلية بالآيس كريم لكن "روشهات" يتعلم كيفية الاحتفاظ بالأشياء التي لا تفرِّط بها أمه.
ثمة أفلام خفيفة الظل ولا تخلو من مشاكسة مثل فيلم "مايكروفون" لكريم غفور فتّاح الذي يسلط الضوء على طفل مشاكس يدخل إلى الجامع كي يقضي حاجته لكنه يحوِّل فضاء الجامع إلى ساحة للعب بينما تبقى أمه عند الباب لأن البوّاب الأخرس لا يسمح بدخول النساء.
تُلقي الحرب بظلالها من خلال فيلم "قرص الهوية" لزانيار عزيزي حيث نشاهد مردان بين أناس كثيرين يبحثون عن الجثث المفقودة لذويهم وأقربائهم في المناطق الكردية. تتكرر ثيمة الحرب من خلال فيلم "ليلة طويلة" لكاميران بيتاشي حيث تترك امرأة زوجها في كردستان العراق بعد انهيار الثورة عام 1975 وتتجه مع طفليها في رحلة إلى إيران بهدف إيجاد حياة أفضل لكنها تدفع الثمن غاليا.
يتحدى الفتى علي في فيلم "لبن" لتحسين أوزمن الحظر الذي تفرضه الحكومة التركية على اللغة الكردية فيوزع شريطاً موسيقيًا كرديًا كان الجد يفضِّل الاستماع إليه.
تُختم مسابقة يلماز غوناي بفيلم "تسجيل" لهاوراز محمد حيث يقوم أبوَان بتسجيل فيديو لجانب من حياتهم الأسرية ويبعثان الشريط إلى ولدهم المغترب علّه يتجاوز الغربة وينتصر على العزلة التي يعيشها في منفاه الأوروبي البعيد.
افتتاح عراقي
يهيمن المخرجون الكرد في تركيا على نصف برنامج الأفلام الروائية الطويلة العشرة حيث تُعرض لهم خمسة أفلام وهي "ذهبوا، الآخر والمجهول" لكِنان كوركماز، و "اتبع صوتي" لحسين قره بي، و "أغنية لأمي" لإيرول مِنتاش، و "السقوط من الجنة" لفريت كاراهان، و "العربة الزرقاء" لعمر ليفينت أوغلو. أما حصة أكراد العراق فهي ثلاثة أفلام بضمنها فيلم الافتتاح المعنون "ذكريات منقوشة على الحجر" للمخرج العراقي الكردي المعروف شوكت أمين كوركي الذي يوثق عملية الأنفال بطريقة مجازية ينأى فيها عن الأسلوب التقريري المباشر. تأسست شهرة كوركي على فيلمه السابقين "عبور الغبار" و "ضربة البداية". وقد حصد العديد من الجوائز عن هذه الأفلام التي رسّخت اسمه كمخرج كردي مبدع يتوفر على رؤية سينمائية ناضجة وخطاب بصري مرهف. أما الفيلمان الآخران فهما "رسالة إلى الملك" لهشام زمان و "ماردان" لباتن قوبادي. اقتصرت المشاركة الإيرانية على فيلم واحد وهو "بيتزا ومواعيد" لفاريبورز كمكاري الذي يتمحور على التعايش السلمي بين الثقافات في مدينة فنيسيا الإيطالية.
هيمنة تركية
أما في برنامج الفيلم الوثائقي فإن الغلبة الكلية لأكراد تركيا الذين اشتركوا بثمانية أفلام وهي "قبل الفجر" لعمر ليفينت أوغلو بالاشتراك مع إحسان كجار، و "دنغبيج" Dengbejلمحمد هادي سومر، و "أمل" ليوسكيل يافوز، و "دودة الوقت" لسِنا باشوز، و "أمي بيرفو" لفيضي ألتاي، و "في غضون ذلك" و "مناظر لا مرئية"لسفاز بويراز، إضافة إلى "كردستان بلدي" لإبراهيم يلديريم. أما المخرجون العراقيون الكرد فسوف يُعرض لهم فيلمان وهما "رقم 73" لريكيش شاهباز و (N) لياسمان شريف مانيش. فيما اقتصرت حصة أكراد إيران على فيلم واحد وهو "رقص من أجل التغيير" لشهرزاد أرشدي.
أفرد القائمون على المهرجان عرضًا خاصًا لفيلم Bark للمخرج عمر جاكان الذي سبق عرضه عام 2011 ضمن فعاليات مهرجان لندن للفيلم الكردي لكن السلطات الأمنية التركية أقدمت على إعدام الممثل حاجي لقمان بيرليك الذي جسّد الدور الرئيسي في الفيلم وسحلت جثته في شوارع مدينة شرناق بتهمة الإرهاب التي لم تُثبت قانونيًا بعد.