لا دليل أوضح وأجلى على فشل الحلول الفردية في عراق ما بعد 2003، كالأزمة المالية الحادّة وخسارة ثلث مساحة البلاد منذ حزيران 2014.
رغم أن العراق بلد نفطي ومعروف بامتلاكه ثروات مادية تحول دون وضعه في خانة البلدان الفقيرة او المفلسة، لكنه فشل منذ عامين في معالجة الهزة المالية التي تهدد بوضعها على حافة انهيار اقتصادي يعيدنا الى حقبة التبعية الاقتصادية للشركات العملاقة.
أيضا ورغم اننا بلد غني، في موارده البشرية التي انخرط جزء لابأس منها متطوعة لمواجهة الارهاب الذي اجتاح اراضينا بصورة مفاجئة، إلا اننا نعجز منذ سقوط الموصل على إنهاء داعش واستعادة ما احتلته.
لماذا يفشل العراق في مواجهة داعش وهو يملك جيوشا من المقاتلين الذين يرخصون دماءهم كل يوم؟ ولماذا يرتبك في مواجهة أزمة اقتصادية متواضعة بمقاس الازمات المالية التي واجهتها اليونان قبل أشهر أو الأرجنتين مطلع الألفية الثانية؟!
لن نجد جواباً شافياً عن هذه الاسئلة الملحة والمصيرية، إلا اذا اتفقنا على مغادرة الحلول الفردية التي اختارتها طوائف وإثنيات العراق لحماية انفسها طيلة 12 عاما، والبحث عن حلول جماعية تندرج ضمن مسارات ستراتيجية تؤدي في المحصلة لإعادة تأهيل الدولة الجامعة المانعة.
لقد أثبتت السنوات الماضية فشل المقاربات التي تم تبنيها على اسس إثنوطائفية على حساب خيار الدولة الذي تم إقصاؤه مع سبق الإصرار والترصد. فسعت المكونات، طيلة الفترة الماضية، لتأمين وضع خاص يحميها ويؤمن مصالحها، بتشجيع الراعي الاميركي، بمعزل عن بقية الشركاء. وبدلا من التعايش والتكامل فان علاقة المكونات اتسمت بالتنافس المتوتر على السلطة والثروة، وها هي اليوم تنتهي الى حفلة تقسيم وشيكة.
ومع الطريق المسدود الذي بلغته هذه المعادلة الفاسدة، إلا ان اللاعبين التقليديين يصرون على اعادة تجريبها مرة بعد مرة كمن يحاول تشغيل محرّك معطوب، في عناد صبياني مكلف جدا.
كل هذا الفشل الامني والسياسي والمالي الذي يواجهه ويعيشه العراق وتتخبط في حله 5 حكومات متعاقبة، يمتد بجذوره وأسسه الى تبني حلول فردية ومكوناتية قامت الاطراف السياسية بتكريسها تحت مظلة دستور ملغوم وغامض ومتناقض.
إلا ان جيوبوليتيكا المنطقة، وتاريخ التعايش الطويل بين مكونات هذه البلاد والمنطقة، تثبت يوماً بعد آخر عبث وخطر الاصرار على التمسك بمعادلة فاسدة لا تصب في صالح بناء دولة قوية، فما بالك بمعادلة تقسيم يراد فرضها والتسويق لها كحل خلاصي ينقذ هذه الارض العالقة في الدم والبارود منذ عقود.
يتبنى أنصار هذه المعادلة والمدافعون عنها رؤية استشراقية في مقاربة ازمات المنطقة تقضي بعزل المكونات المتصارعة في كانتونات ومنحها سلطات اقوى من الدول والانظمة السياسية، معتبرين ان ذلك يشكل مدخلا حاسما لإنهاء بؤر التوتر التاريخي في الاقليم.
وإذا ما ابتعدنا عن فشل هذه المعادلة في العراق، فيمكن الإشارة الى النموذج اللبناني الذي يراوح مكانه منذ عشرينيات القرن الماضي، ويتم تسويقه، عربيا وإقليميا، كمثال حي لشلل الدول وعجزها عن القيام بوظائفها السياسية والاجتماعية بسبب استغراق جميع الاطراف اللبنانية في الحلول الفردية التي تكرس الضعف وتعقد الازمات.
إن الإصرار على الفشل وإعادة تجريبه بأشكال سياسية وقانونية جديدة لن يعيد المدن المغتصبة ولن يبدد شبح الإفلاس الذي يحيق بالبلاد. وحتى لو نجحت هذه المعادلة في دحر داعش وإعادة إنعاش بيت مالنا، فانها لن تنجح في تحويلنا الى أمة ودولة محترمة في عصر التجمعات العابرة الإثنيات والطوائف.
الدولة ليست بطراً
[post-views]
نشر في: 11 نوفمبر, 2015: 09:01 م