بكت عاملة التنظيف بحرقة حين علمت أن هناك مايهدد استمرارها في عملها وستفصل منه بسبب التقشف ، ولكي تكف عن البكاء الذي أرهقها وخوفا عليها من التعرض لنوبة ارتفاع الضغط التي تنتابها غالبا ..حاولت جارتها ان تسري عنها فروت لها كيف اكتشفت من خلال تقرير قرأته في مجلة طبية ان البكاء يطيل العمر ويقاوم آثار الشيخوخة فضحكت وهي تتخيل كيف ستحصل بعدالبكاء على بشرة جميلة وستطول سنوات عمرها اكثر ..في اليوم التالي ، علمت الجارة ان عاملة التنظيف المفصولة مريضة جداً وانها نقلت الى المستشفى لارتفاع شديد في ضغطها ،وحين زارتها قالت المريضة : تم ابلاغي بفصلي من عملي فلم انقطع عن البكاء ليطول عمري اكثر ، وأجد عملا آخر أعيش به ..ثم عادت لتتساءل ..لماذا أُضحي بعملي ..ومن أجل من !!
مؤخرا ، نشرأحد الخيرين دعوة لمساعدة عدد من الجنود المصابين في قتالهم مع داعش ممن فقدوا بصرهم ويحتاجون الى عمليات عديدة وباهظة الثمن في خارج العراق ليتمكنوا من مواصلة العيش (عميانا ) فالعمليات لن تعيد لهم بصرهم بل تنظف لهم المناطق المصابة من الشظايا التي قد تسمم اجسادهم وتعمل على قلع العين المصابة وتجميل المنطقة فقط بعين صناعية !!
ذكرني الخبر بزيارتنا الى مستشفى الرشيد العسكري خلال دراستنا الجامعية لنهدي بعض جرحى الحرب العراقية –الايرانية زهورا ..كنا مزهوين بشبابنا وقطعنا الطريق الى المستشفى نمزح ونضحك ، وهناك ، سمعنا صوتا يصرخ بحرقة :" اريد ان اموت " ..كان شابا تم قلع عينه المصابة بعد ان فقد ساقه قبلها وكان لديه خطيبة تنتظره واختصاصا هندسيا ينوي ممارسته بعد مغاردته الجيش ...حاولنا ان نستجمع كل مالدينا من شجاعة ولباقة لنهون عليه مصيبته لكنه كان يعود ليسألنا :" ماذنبي ..لِمَ أعيش حياتي معاقا وهل ستوافق خطيبتي على الاستمرار معي وكيف سأمارس اختصاصي الذي أحب ؟.."في تلك اللحظات العصيبة ، دخلت امرأة متشحة بالسواد واقتربت من الشاب المصاب وقالت له بحنان: " هل تتسابق معي " ؟..أدهشنا سؤالها وهدأ الشاب ليعرف ماتقصد فعادت لتقول : "هل نتسابق أي منا اكثر ألما ؟...أنت فقدت ساقا وعينا وأنا فقدت أولادي الثلاثة في يوم واحد وهاأنا أزور رابعهم المصاب في المستشفى وإذا كنت تتمنى الموت فأنا مت منذ أن غابت وجوه أحبتي الى الابد ..." ...صمتنا جميعا حين خيم شبح الموت فوقنا والغريب ان الشاب صمت ايضا وظل ينظر الى المرأة بعينه الوحيدة السليمة بذهول ..وحين خرجت وهي تبتسم له بحنان وتقول : " لقد غلبتك ..أليس كذلك " تصورنا انه سيصبر على مصيبته كماطلبت منه لكنه عاد ليتساءل بحرقة :" لماذا ..ومن أجل من ؟"
اليوم ، نتسابق جميعا في مباريات الألم وكل منا يحمل ألما من نوع خاص فهناك من فقد احبته ومن فقد عضوا من اعضائه وهناك من فقد أملاكه او عمله لكننا جميعا نعجز عن الصبر ليس جزعا بل لأن سؤالا يظل يطاردنا ويمنعنا من تقبل آلامنا :" لماذا ومن أجل من نفقد اعز مانملك ..من اجل حفنة من رجال السياسة الفاسدين وبسبب حماقاتهم ؟..انهم لايستحقون ذلك ولن تخدعنا ذرائعهم بأننا نفقد كل شيء من أجل الوطن ...اننا نضحي من أجل استمرارهم ورخائهم بينما الوطن مثلنا صار يفقد اعضاءه تدرجياً وغدا معاقاً ويتساءل بحرقة :" لماذا ..ومن أجل من ؟"
لماذا.. ومن أجل من ؟
[post-views]
نشر في: 13 نوفمبر, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 2
ابو سجاد
ياسيدة عدوية لقد التقيت بكثير من المواطنين العرب ولم اعرف احدا منهم قال لي ماذا افعل والكل كان يعرف ماذا يفعل الا العراقيين دائما في حيرة من امرهم فمفردة اللماذا بقيت ملازمة لنا والحقيقة اننا نعرف الصح من الخطاْ ونعرف الحق من الباطل ونعرف الصالح من الط
ابو سجاد
ياسيدة عدوية لقد التقيت بكثير من المواطنين العرب ولم اعرف احدا منهم قال لي ماذا افعل والكل كان يعرف ماذا يفعل الا العراقيين دائما في حيرة من امرهم فمفردة اللماذا بقيت ملازمة لنا والحقيقة اننا نعرف الصح من الخطاْ ونعرف الحق من الباطل ونعرف الصالح من الط