أجزم قائلاً بأن الطائفية نتاج الأديان وان العنصرية نتاج القبائل، ولا أعلم بلاداً ابتلاها الله مثلما ابتلانا في العراق بهاتين الآفتين، وإذا كانت عبارة مثل الدين أفيون الشعوب تثير الفزع بين اوساط المتدينين فأنها تكتسب مصداقيتها عندنا اليوم أكثر، ومن يعاين خراب مدننا وتراجع قيمتنا كبشر أسوياء، لا يلقي باللائمة على أحد من السياسيين أو قادة الأحزاب فإنهم نتاج الآفتين معاً.
يقف الخطيب في الحرم المكي أو مسجد الرسول إماماً وخطيباً في الصلاة الجامعة ثم يختم صلاته بالدعاء قائلاً: (اللهم عليك باليهود والرافضة..) ويقف خطيب آخر في مسجد او حسينية ليبين لنا بأن الخلافة سرقت من عليٍّ، وأن الجنة حُرّمت على فلان وفلان. وفي الجانب الثاني من القضية نقرأ في الكثير من بيارق واعلام القبائل العربية العبارة الشهيرة ( نصر من الله وفتح قريب. وهنالك سيف مشطور دائما تحت العبارة تلك) أو أنهم يكتفون بالهلال والنجمة. واضح أن النصر عند العرب المسلمين لا يأتي إلا بالسيف، وأي سيف إن لم يكن (ذو الفقار) اما دالة الهلال والنجمة فواضحة هنا، فهي تعني ارتفاع وعلو شأنهم وأفول الآخرين. الطائفية بكل قبحها والعنصرية الشوفينية بمعانيها الجلية. لكننا نجد من يأتي ليحدثنا بكل صفاقة عن سبب للإرهاب؟
الآن، وبعد أن تمزقت صورة الوطن في أذهان العراقيين بات ليس بمستطاع الجندي- مهما كانت درجة وطنيته - من أهل الموصل او الأنبار أو غيرها من المحافظات السنية الدفاع عن البصرة والناس فيها، لأنه لن يجد الأرض والانسان –مادتا الوطن- اللذين يشترك بهما ومن خلالهما فيها، وبمثل الصورة هذه، لم يكن الجندي من البصرة وعموم الجنوب ليجد الأرض والانسان اللذين يُقبل بهما هناك، ذلك لأن صورة الوطن عنده باتت مختلفة عن صورته عند هؤلاء، فالطائفة والقبيلة تمكنت من الجميع خلال سنوات القهر التي مارستها الأنظمة منذ 1400 سنة، ولا يقولن أحدُ بان الدولة الدينية، أو التي لبست لبوس الدين، منذ البعثة وإلى اليوم لم تكن ضالعة في تأسيس ذلك.
تعاني قواتنا الأمنية من عدم مقدرتها على ضبط الانفلات الأمني والنزاعات المسلحة التي تحدث بين القبائل، وإن حدث وغامرت قوة ما في التدخل، نجد أن أفرادها يرتدون الاقنعة، وهم خائفون مرعوبون مترددون في الوصول والمواجهة، بل غالبا ما نسمع عن تراجع أحدهم لأنه دخل منطقة النزاع التي كانت قبيلته طرفاً فيها، فهو لن يجد محيصا من الانخراط لنصرة جماعته أكانوا معتدين او معتدى عليهم.
في نشرات الأخبار أجدني أطيل النظر دائما في صورة رجال الحماية الذين يقفون خلف الشخصية الرئيسية، فأجد أنهم يشبهونها، فهم دائما إخوة أو ابناء أو أبناء عمومة. وأقرأ أسماء الموظفين في الوزارة، أي وزارة فأجد قائمة من المشتركين باللقب مع الرأس الأكبر، ثم انك عزيزي القارئ أبحثْ في سلالة رجال الدين، تجد ان السيد أو الشيخ يقرّب شقيقه أولاً ويجعل منه قريباً مقرباً، يعلمه الاصول والعقائد والشروح لكنه حين يجد إمكانية تولية إبنه ممكنة، وقبل دنو أجله يقول كلمته الأخيرة: (بأنه ولمرضاة الله ولمنفعة المذهب جعل وصيته في خلافته لأبنه) ويترك شقيقه ولياً صالحاً لكنه غير متولٍ على أحد.
آفتان لا خلاص منهما إلا بالوطن
[post-views]
نشر في: 14 نوفمبر, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...