(2-2)
وبذلك تتجاوز الكوميديا اصلاح السلوك الآلي ويسير (البرت كوك) باتجاه (فراي) ويشير الى ان الكوميديا تستحضر الحاجة الى اعادة قوانين تنظيم المجتمع ويقول "نحن نضحك فيندفع المجتمع بكامله الى التصدي للنظم وابعاد كل ما هو شاذ وما هو فردي" ويعتقد بان الكوميدي يريد الثأر من المجتمع الذي رفضه كما رفض جميع الفنانين وجميع غريبي الاطوار.
ويعد (ناثان سكوت) آخر المنظرين للكوميديا المضيئة وبالنسبة له فان الكوميديا تبحث عن التزام الانسان بهذا العالم فلا يتمرد عليه ومع ذلك فان البشر في هذا العصر مغربون ومعزولون وتنشد الكوميديا الحقيقة التامة وتسمح لهم اللجوء الى الايمان وعليه فانها بناءة خلاقة.
هناك اثنان من المنظرين للكوميديا الظلماء نأخذهما بنظر الاعتبار: الاول هو (جارلس بودلير) والثاني هو (البير كامو). ويرى (بودلير) ان الضحك ليس إلا مظهراً من مظاهر حطة الانسان وان الكوميديا ظاهرة شيطانية وان الكوميدي شبيه بالمصاب بالبارانويا (جنون الاضطهاد) ويرى ان في الغروتسك – البشع المضحك خطورة فهي شيطانية وبلا خجل وفيها عنصر من عناصر القسوة.
أما (كامو) فيتحدث عن لا معقولية الكوميديا وعن شذوذ الكائنات البشرية وحيث يختار البشر الهروب من لا معقولية وجودهم بالانتحار او التمسك بالأمل او بالقيام بثورة وبذلك يقترب الانسان من لامعقولية الكوميديا. وهكذا فالكوميديا ثورة ضد اللامعقولية والكوميديا انتصار للعواطف وتدبير للنظام الانساني.
في مقالته (الكارنيغال) يتبع (جورج سانتيانا) الخط نفسه الذي اتبعه كل من بودلير وكامو في نظرية الكوميديا الظلماء ومع هذا فأنه يعتقد ان العالم ليس شيطانيا كما يعتقد (بودلير) بل هو ، وببساطة لامبالٍ وان الحياة لعب حر لقوى اللاوعي ولذلك فان الوجود يتغير على الدوام وفيه تنافر مستمر ولذلك يصبح مضحكاً . يميل منظرو الكوميديا الظلماء الى التأكيد على الاخلاص والامانة وعلى الحقيقة المعاكسة للقيم الاجتماعية والتي يؤكدها منظرو الكوميديا المضيئة. ويؤكد منظرو الكوميديا الظلماء بان الحقيقة الكوميدية تخلو من الخير بالنسبة لنا لكونها لا تساهم في تحقيق معنى الوجود الانساني بل يبقى المعنى موضع شك وتساؤل وبالتالي فهي ترفض اي معنى.
يدعي (جيمس فيبلمان) انه يتبع خط الواقعية الافلاطونية، حيث يرى ان الكوميديا بصيغها الاولى كاريكاتيرية وفوضوية تتامل الانتقال من النظام القديم الى نظام جديد ولهذا تبقى الكوميديا مكروهة من قبل المؤسسة سواء في النظام القديم او النظام الجديد. الكوميديا تركز على الحاضر وتقف بالضد من التراجيديا التي تتعامل مع الماضي والمستقبل . التراجيديا تنشد الخير بينما تنشد الكوميديا الحقيقة وتؤكد الكوميديا حاجة الانسان الى البقاء وتنشد الكمال غير المتحقق وتركز على العالم المادي الزائل بقصد الكشف عن التناقض بداخله ونزع القناع عن العجز الانساني كمصير محتوم. ولذلك فالكوميديا لا تصلح كما يعتقد اصحاب الكوميديا المضيئة بل تهدم . ويرى (فيبلمان) بان الضحك ليس الا هروباً الى النطاق المنطقي الخالي من عيوب الواقع الفعلي التي لا تقهر. ويتبنى (ارثركوستلر) مقاربة مشابهة لمقاربة (فيبلمان) بشأن وجود فكرة واحدة بسياقين مختلفين للمعنى في الكوميديا وبمعنى آخر هناك نوع من التورية وان الضحك او الابتسامة العريضة يسموان على تكشيرة الحيوان. وينظر (كوستلر) فان تقييم الكوميديا لا يحدث إلا عندما ينظر الانسان الى نفسه في سياقين مختلفين في آن واحد وبمعنى آخر ان ينقد نفسه كونه مستغفلا .ومثل (فيبلمان) يرى (كوستلر) ان الكوميديا هي لحظة انهيار ما هو مهم وحدوث الفوضى الشاملة وغياب المعنى ولذلك فهي ظلماء.
نظريتان للكوميديا (المضيئة والظلماء)!!
[post-views]
نشر في: 16 نوفمبر, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...