لا أظنّ أنّ إدارة البنك المركزي كانت على حقّ في إظهارها قدراً من التبرّم والحنق حيال التصريحات والكتابات الكثيرة التي واكبت وأعقبت ما نشرته "المدى" أخيراً بشأن قضايا تهريب العملة وغسل الأموال، وهو نزر يسير مما تضمّنته "ملفات الجلبي" في هذا الصدد.
صحيح أن البعض من التصريحات والكتابات يدخل في باب "المناكفات والمساجلات" و"المغالطات والتشويش"، ولم يخلُ من "روح التحريض"، كما جاء في بيان البنك الصادر يوم الخميس الماضي، لكن، في المقابل، كان الكثير من التصريحات والكتابات نابعاً من دوافع مختلفة وحاملاً مقاصد أخرى تتعلق بقلق الناس في هذي البلاد على حياتهم ومصيرهم ومستقبلهم، وبحقهم المشروع في الحصول على المعلومات الصحيحة.
على مدى سنوات كانت تتدفق معلومات عن عمليات مهولة لغسل أموال وتهريب عملة الى خارج البلاد وتتردد أسماء مسؤولين كبار في الدولة متورطين فيها، وكانت تثار ملاحظات جدية من خبراء في الاقتصاد والمالية حول طبيعة ما يجري في مزاد العملة الذي ينظّمه البنك المركزي، وهو نظام لا نظير له في أي بلد آخر.. وكانت إدارات البنك المركزي المتعاقبة تعطي الأُذن الصماء، فكأنما الأمر لا يعنيها في شيء ولا يعني أهم مؤسسة مالية في البلاد، أو كأن تلك الإدارات تسمع ولا تكترث بما يقال ويكتب.
الأمر، ببساطة، كان يتطلب شفافية من إدارات البنك المركزي ليكون الرأي العام على بينة من الأمور .. هل يُرضي إدارة البنك المركزي ألّا يتساءل المثقفون والخبراء عن مدى صحة المعلومات المتداولة؟ هل يُرضيها ألّا يعبّر هؤلاء المثقفون والخبراء عن مخاوفهم وشكوكهم حيال ما يسمعونه ويرونه بأم العين من تجاوزات على المال العام وانتهاكات للقانون؟ .. لماذا هم مثقفون وخبراء إذاً؟
في بيانه قال البنك المركزي أنه أقام بين ٢٠١٢ و ٢٠١٥ "العديد من الدعاوى لدى المحاكم العراقية المختصة على المصارف والشركات المخالفة لتعليمات نافذة بيع العملة الأجنبية وتلك المتعلقة بقضايا مكافحة غسل الأموال"، وأنه "فرض غرامات مالية وصلت أقيامها بحدود ( 400) مليار دينار عراقي شملت (40) مصرفاً."، وانه تمت "معاقبة ( 426) مؤسسة مالية غير مصرفية بعقوبات ( الغرامة، الإنذار، التنبيه، الحرمان من نافذة بيع العملة) وسحب الإجازات والتراخيص للبعض منها مع فرض وصاية على أربعة من المصارف وصل أحدها الى حد التصفية في حين تمت إعادة تأهيل مصرفين آخرين"، وانه " فرض "غرامات مالية متعددة وصلت أقيامها بحدود (5) مليارات دينار عراقي في ما يخص المخالفات المصرفية الأخرى".
هذه في الواقع نصف جملة مفيدة، فالمعطيات الواردة في البيان لا ترتفع الى مستوى الشكوك والتساؤلات المطروحة والمعلومات المتداولة، بل لا ترتقي إلى مستوى ما أماطت اللثام عنه "ملفات الجلبي" المنشورة أو التي في طريقها إلى النشر .. وما كشف عنه مصدر حكومي للتوّ، وهو اختفاء 10 مليارات دولار من احتياطي البنك، يقدّم الدليل على هذا.
بيان البنك المركزي ختم نفسه بأن أهاب بـ "الجميع التحلّي بالمسؤولية والمصداقية والنظر إلى الأمور ومعالجتها بنظرة مهنية وموضوعية بما يخدم المصلحة محلياً ودولياً".. الواقع أن البنك نفسه مطالب بالتحلي بالمسؤولية والمصداقية وكشف الحقيقة الكاملة للشعب العراقي أولاً بأول، فهذا بنك الشعب، بل هو نسغ حياته .. والأموال المسروقة والمغسولة والمُتلاعب بها والمهرّبة إلى الخارج وفي الداخل هي كلها أمواله.
البنك المركزي.. علامَ الغضب؟
[post-views]
نشر في: 16 نوفمبر, 2015: 09:01 م