في نهاية عقد الستينات ،يوم كان التلفزيون العراقي يبث برامجه بالأسود والابيض ، سألت المقدمة الراحل داخل حسن : ابو كاظم ما سمعناك تغني للحزب والثورة ؟ فوجئ الرجل بالسؤال لكنه استدرك وقال : لا يا بعد روحي غنيت "هسه ارتاح دلالي" . سواء أكانت الأغنية للراحل او لغيره فانه استطاع الخروج من الحرج بطريقته الخاصة ، ثم عاد ليسرد حكاية دخوله الى دار الاذاعة العراقية بعد تأسيسها عام 1936 والمشاركة مع زميليه الراحلَين ناصر حكيم وحضيري ابو عزيز وغيرهما في تقديم حفلات غنائية تبث على الهواء مباشرة . وقتذاك لم تشترط الجهات الرسمية على المطربين اداء اغنيات مديح للملك او رئيس الوزراء ، التحول حصل بعد اقامة النظام الجمهوري ، فظهر نوع جديد من الاغنيات حملت عناوين الوطنية والثورية : عبد الكريم كل القلوب تهواك ، انا الفلاح ازرع ارضي ، بالهور الجميل العيشة تحلالي اصيد سمج والفالة تبرالي ، فيرد الكورس : بالهور بالهور، وعشرات غيرها فرضتها متطلبات المرحلة في تطبيق قانون الاصلاح الزراعي ، و التصدي لمؤامرات الرجعية و أزلام العهد المباد .
احتفظ المطربون العرب الكبار امثال محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ والسيدة ام كلثوم بعلاقات شخصية مع رؤساء دول وملوك ، في بعض الاحيان تكون العلاقة سببا في اداء اغنية لصاحب الجلالة او السيادة ، يقال ان الرئيس المصري جمال عبد الناصرشجع عبد الوهاب وكوكب الشرق على التعاون الفني المشترك فظهرت اغنية "انت عمري" . في الحالة العراقية اقتصرت علاقة كبار المسؤولين بالمطربين على الزامهم بأداء اغنيات ذات مضامين سياسية لتأجيج الحس الوطني لدى الجماهير لمواجهة مخططات التآمر ضد الحزب والثورة ، التوجيه وصل الى المطرب الراحل عبادي العماري ، وعلى طريقته في اداء اللون الريفي الحزين قرأ بيت ابوذية بقفلة حزب ثوري وثقافة يعربية .
مطلع عقد الثمانينات ومع اندلاع الحرب العراقية الايرانية للدفاع عن البوابة الشرقية للأمة العربية ، ظهرت على الساحة العراقية اغاني الحرب واستمرت حتى الوقت الحاضر ، ايقاعات سريعة ومفردات تكرس عسكرة المجتمع ،اغاني الحرب زحفت نحو الحياة المدنية فأجبرتها على ارتداء الزي العسكري المرقط وحمل الحربة وبندقية الكلاشينكوف نص اخمص.
المسؤولون العراقيون اليوم استغنوا عن المطربين للتغني بمنجزاتهم ، باستحداث مكاتب اعلامية رسمية تضم مستشارين وناطقين ومتحدثين ، يتولون مهمة الترويج الاعلامي لقرار المسؤول ، وتحشيد عشرات الناشطين لتلميع صورة صاحب المعالي باعتماد شعار انصر اخاك ظالما او مظلوما.
اصحاب المعالي سخروا "الحشد الإلكتروني" للدفاع عن قرارات اتخذتها وزارتهم ، فهناك من دافع عن اجراء امتحان الدور الثاني الفاشلين في الاول للحصول على مقاعد في الدراسات العليا ، شركة طيران جديدة تحصل على خدمات المطار بأجور متدنية ، دافع عنها "الحشد الإلكتروني" من زاوية الاهتمام بالقطاع الخاص ، عندك نازل مقابل مصرف الزوية الف رحمة على روحك داخل حسن .
ثورة داخل حسن
[post-views]
نشر في: 17 نوفمبر, 2015: 09:01 م