TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > فعل شائن في كرادة مريم

فعل شائن في كرادة مريم

نشر في: 17 نوفمبر, 2015: 09:01 م
يبدو أننا كنّا على وهم كبير وفي ضلال مبين، إذ اعتقدنا بأننا قد تركنا ذلك العهد خلفنا، وأنه صار شيئاً من الماضي. أعني العهد الذي كانت فيه عناصر الأمن تبيح لنفسها حقّ انتهاك أحكام الدستور والتجاوز على سائر القوانين الناظمة والضامنة لممارسة الحريات والحقوق، وفي مقدمها حقوق الإنسان.
أمس تبيّن لنا بالصوت والصورة أننا لم نتزحزح قيد أنملة عن ذلك العهد البغيض الذي كانت فيه الأنظمة الدكتاتورية ترتعد فرائصها وتتزلزل أركانها لمجرد سماع كلمات مثل احتجاجات شعبية وتظاهرات تطالب بالحقوق وتدعو إلى الإصلاح، فتطلق عناصرها الأمنية للفتك بالمحتجّين والمتظاهرين وقمعهم بوحشية، كما كانت عليه الحال إن في زمن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي أو في عهد الدكتاتور المقبور صدام حسين. 
أمس ذهب بضع عشرات من نشطاء الحراك الشعبي، بينهم مثقفون معروفون، إلى المنطقة القريبة من مدخل المنطقة الخضراء المؤدي إلى مجلس النواب في حي كرادة مريم ببغداد .. ذهبوا إلى هناك من دون أن يحمل أحد منهم ولو ملعقة بلاستيك مما يستعمل لتذويب السكر في كوب الشاي، تأكيداً لسلميّتهم التي أشاد بها غير مرة رأس السلطة التنفيذية في البلاد، رئيس الوزراء .. ذهبوا بعدما أعلنوا قبل أربعة أيام عن أنهم سيكونون في المكان عينه وفي الزمان نفسه، بمهمة وطنية سلمية هي حضّ أعضاء مجلس النواب على تسهيل وتسريع عملية الإصلاح السياسي والإداري والمالي التي تعهّد بإنجازها البرلمان نفسه بعد الحكومة قبل ثلاثة أشهر.
ذهب الناشطون إلى كرادة مريم أمس مثقلين بمشاعر الخيبة والإحباط ،لأن هلال الإصلاح الحقيقي تأخّر كثيراً ميعاد بزوغه، فإذا بهم يهاجمهم وحش أمني كاسر يتجاوز على نحو سافر على حقّهم الدستوري في التظاهر والتعبير عن الرأي، بدل أن يخرج إليهم من ينوب عن "ممثليهم" في البرلمان أو عن الحكومة ليستمع إليهم ويطمّنهم بكلمتين طيبتين أو ثلاث.
عناصر الأمن الذين "أنهدّوا" على النشطاء أمس لم يفرّقوا في شيء في سلوكهم السيّئ عن سلوك أقرانهم في عهد الحكومة السابقة ولا عن سلوك أمن صدام حسين، من اعتقال النشطاء وتفريقهم بالقوة الغاشمة وضربهم، إلى إسماعهم الكلمات النابية التي يفترض أن تظل حكراً على "أبناء الشوارع"!
ما ضرّ العناصر الأمنية التي أُرسلت إلى كرادة مريم أمس لو أنها تعاملت بإنسانية ووطنية مع النشطاء المتجمعين على بعد مئات الأمتار عن بوابة مجلس النواب وخلف صفوف من الحواجز الكونكريتية المكينة والشاهقة؟ .. ما ضرّها لو أشادت بسلميّتهم، كما فعل القائد العام للقوات المسلحة، وطلبت إليهم بأدب وتهذيب أن يتفرقوا سلمياً أيضاً بعد وعدهم بنقل مطالبهم إلى البرلمان؟
نعم، ما ضرّهم لو فعلوا هذا بدل الذي أقدموا عليه مما يُعدّ فعلاً شائناً في النظام الديمقراطي؟ .. هذه االأسئلة موجّهة إلى وزير الداخلية وإلى قائد قوات عمليات بغداد وقائد قوات الطوارئ وقائد قوات مكافحة الشغب، وقبلهم وبعدهم إلى القائد العام.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 8

  1. د عادل على

    ان اى نظام لايتحمل حق شعبه فى التعبير عن رايه عن طريق مظاهرات بسلام لا يمثل شعبه وغير دستورى ولابد ان يدعوا شعبه للانتخابات-------ان استعمال القوة من اجل تفريق المظاهرات علامة خطيرة تشير بان النظام يسير نحو النظام الصدامى المقبور---------ان جماهير شعبنا ي

  2. د . عبد علي عوض

    بعد قمع المظاهرات في عام 2011، نشرتُ مقالة، ومن ضمن ما جاء فيها: إنَّ الذي تغيّر هي الوجوه والأسماء، أمّا الذهنيات والسلوكيات والممارسات، فجميعها بعثية بامتياز!!.

  3. نبيل يونس دمان

    هذه ليست قوات امن بل قوات قمع للمدنيين الاحرار

  4. الشمري فاروق

    انهم ايتام صدام ولكنهم باسم اخر

  5. د عادل على

    ان اى نظام لايتحمل حق شعبه فى التعبير عن رايه عن طريق مظاهرات بسلام لا يمثل شعبه وغير دستورى ولابد ان يدعوا شعبه للانتخابات-------ان استعمال القوة من اجل تفريق المظاهرات علامة خطيرة تشير بان النظام يسير نحو النظام الصدامى المقبور---------ان جماهير شعبنا ي

  6. د . عبد علي عوض

    بعد قمع المظاهرات في عام 2011، نشرتُ مقالة، ومن ضمن ما جاء فيها: إنَّ الذي تغيّر هي الوجوه والأسماء، أمّا الذهنيات والسلوكيات والممارسات، فجميعها بعثية بامتياز!!.

  7. نبيل يونس دمان

    هذه ليست قوات امن بل قوات قمع للمدنيين الاحرار

  8. الشمري فاروق

    انهم ايتام صدام ولكنهم باسم اخر

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram