لا يماري احد في ان الادب الروسي يشغل مكانة مرموقة من اهتمام القراء في العالم العربي بالرغم من ان الكثير من الاعمال الادبية الكلاسيكية قد ترجم في بعض الاحيان بصورة مشوهة من لغات أخرى غير اللغة الروسية . علما ان الاهتمام بالدراسات وتراجم الادب العربي ا
لا يماري احد في ان الادب الروسي يشغل مكانة مرموقة من اهتمام القراء في العالم العربي بالرغم من ان الكثير من الاعمال الادبية الكلاسيكية قد ترجم في بعض الاحيان بصورة مشوهة من لغات أخرى غير اللغة الروسية . علما ان الاهتمام بالدراسات وتراجم الادب العربي الى اللغة الروسية ما زال كبيرا في روسيا أيضا.
هذا بالرغم من زوال الدعم الحكومي لها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي.وقد لاحظت ذلك اثناء مشاركتي في معرض الكتاب الدولي في الشارقة لعام 2015، حيث احتلت التراجم الروسية مكانة بارزة في اجنحة دور النشر العربية.
وقد صدر بموسكو مؤخرا كتاب بعنوان " الادب الروسي والعالم العربي" بقلم د. ايلميرا علي زاده الباحثة في معهد الاستشراق بموسكو. ويتألف الكتاب من قسمين الاول : طرق انتشار الادب الروسي في العالم العربي.والثاني : مقالات حول الرؤية العربية للكلاسيكيين الروس، وتتضمن دراسة اثر اعمال نيقولاي غوغول في الاقطار العربية، وترجمة اعمال تورجينيف والدراسات حول أدبه ، واثر ابداع تشيخوف في العالم العربي .
وتشير الكاتبة الى اهتمام المستعربين الروس بدراسة الادب العربي ، ويعود الفضل في ذلك لحد كبير الى المستشرق اغناطيوس كراتشكوفسكي شيخ المستعربين الروس ومريديه. ويشمل ذلك ترجمة العديد من اعمال الادباء العرب ودراسة انتشار الادب الروسي في العالم العربي وتأثيره في ابداع الكتاب العرب. وهذا الموضوع ما زال هاما وملحا في الدراسات الادبية الروسية والعربية على حد سواء.ففي الحالة الاولى من وجهة نظرتقييم الادب الروسي كظاهرة ثقافية عالمية . وفي الاخرى في كون الاعمال الادبية العربية قد تأثرت لحد ما بالادب الروسي.
ويتناول البحث تاريخ العلاقات الادبية بين العالم العربي وروسيا منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر حين ترجمت حكايات ايفان كريلوف الخرافية من قبل عبد الله قلزي الاستاذ في جامعة بطرسبورغ (1856-1881) وتبعت ذلك ترجمة اعمال تشيخوف وتولستوي ودوستويفسكي من الروسية بجهود خريجي المدارس الروسية في سورية وفلسطين. ونشر بطرس البستاني (1819-1883) في بيروت
اول دراسة عن ابداع بوشكين وليرمنتوف وغوغول في سلسلة "دائرة المعارف".
وعندما انتعشت حركة الترجمة في عهد الخديوي محمد علي بمصر بتأسيس مدرسة الترجمة بإدارة رفاعة الطهطاوي نشر "قلم الترجمة" برئاسته بعض الاعمال الادبية الروسية مترجمة عن الفرنسية. وفي عهد الخديوي اسماعيل الذي اراد ان يجعل مصر دولة اوروبية نشرت اعمال تولستوي ودوستويفسكي وغوركي. وفي عام 1914 نشرت مجلة الهلال ترجمة رواية "الجريمة والعقاب" من قبل سلامة موسى . وكانت قد نشرت في لبنان وفلسطين وسورية في مطلع القرن العشرين ترجمة "ابنة الضابط " لبوشكين و"تاراس بولبا " لغوغول و "الامير سيريبرني" لتولستوي و"طريق الحياة" لتولستوي من اللغة الروسية من قبل خريجي المدارس الروسية في بلاد الشام التابعة للجمعية الامبراطوية الارثوذكسية الامبراطورية التي مارست دورا بارزا في نشر اللغة الروسية والادب الروسي في العالم العربي. ونذكر من بينهم خليل بيدس وسليم قبعين وابراهيم جابر وميخائيل نعيمة.
وشهدت الفترة بعد الحرب العالمية الثانية تنامي الاهتمام بترجمة الادب الروسي ونشر الابحاث حول الادب الروسي . علما ان الكثير من الاعمال ترجم من الفرنسية والانكليزية ما أثر في نوعية الاثر الادبي. وترجم سامي الدروبي الاعمال الرئيسية لدوستويفسكي من اللغة الفرنسية. وصدرت تراجم لبوشكين وغوغول وتولستوي وغوركي في دمشق والقاهرة وبغداد من اللغة الانكليزية. وعندما تأسست دور النشر الروسية "التقدم" و"رادوغا" و"مير" بموسكو حيث تمت الترجمة من اللغة الروسية مباشرة جرى سد فراغ كبير في تعريف القارئ العربي بالادب الروسي. وأظهر ازدياد اقبال القراء على اقتناء الكتب الروسية المترجمة على مدى اهتمام الفئة المثقفة في العالم العربي بالتراث الثقافي الروسي. وللأسف فان اغلاق دور النشر المذكورة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي خلق مجددا فراغا في تعريف القراء العرب بالادب الكلاسيكي والمعاصر بروسيا.
وتشير الكاتبة الى دور الصحافة العربية في نشر الادب الروسي ومنها "النفائس"(حيفا) و"السائح"(نيويورك ) و"الهلال"و"الفصول" و"الرسالة " و"ادب ونقد" (القاهرة ) و"الاقلام" (بغداد) و"الآداب"(بيروت). وقد نشرت فيها مقالات وتراجم كثيرة عن الادب الروسي منها ابحاث النقاد الاوروبيين. كما تؤكد على أهمية ترجمة الاعمال الادبية الروسية في مختلف مراحل تطور الادب في العالم العربي.
وبغية اعطاء صورة متكاملة عن تعرف القارئ العربي على الاعمال الكلاسيكية للادب الروسي تقدم الكاتبة في الجزء الثاني من الكتاب امثلة عن خصوصية وصفة اللغة الروسية في العالم العربي ، واظهار موقف الادباء العرب من ترجمة الاعمال الادبية وتقييم الاعمال الادبية لثلاثة كتاب كبار ذوي اتجاهات مختلفة هم غوغول برومانسيته ورؤيته الغبيبة للحياة ، وتورجينيف بصفته نموذج اللغة الروسية الرفيعة والاسلوب الادبي الشاعري القريب من الطبيعة الشاعرية للعرب ، وتشيخوف الذي اعطى العالم حسب تعبير ليف تولستوي "اشكالا جديدة تماما في الكتابة " ، ويرتبط ابداعه بالانطباعية الشاعرية التي سادت في الادب الروسي اواخر القرن التاسع عشر.
وتقدم الكاتبة تحليلا مقارنا لأعمال الكتّاب المذكورين وتراجم اعمالهم الى اللغة العربية من اللغة الروسية مباشرة. ويتيح ذلك اظهار ديناميكية تقنية الترجمة وموقف المترجم العربي من مهامه في مختلف مراحل الادب. كما تشير الى دور الترجمة من لغة وسيطة غير الروسية الى العربية. وتورد موجزا للدراسات التي جرت في الندوات الادبية المكرسة للادباء الروس في العواصم العربية والاوروبية بمشاركة باحثين عرب.
وتكرس الباحثة حيزا كبيرا الى نشر الاعمال المسرحية للكتّاب الروس وكذلك للدراسات حول اتجاهات المسرح الروسي في مختلف الفترات، ودور الكتاب الروس في تطور الادب المسرحي.
علما ان غالبية مواد البحث تنشر لأول مرة في الاستعراب الروسي. وتعتزم الباحثة مواصلة العمل في دراسة العلاقات الادبية الروسية – العربية في تطورها التاريخي من مثال اعمال تولستوي ودوستويفسكي.
وتقدم الباحثة في نهاية الكتاب كشفا كبيرا بالمراجع التي اعتمدتها في كتابة البحث.