إذن ما العمل؟ في ثلاثية ويليام غيبسون، فإن معظم المواطنين هم مثلنا، وبعضهم قادرون على البقاء تحت الرادار، لأنهم لا يمتلكون سجلاً رسمياً أما ان تكون المعلومات قد أزيلت او تم تغييرها، او انهم تجنبوا وضع شخص ما، في الدرجة الاولى. ليس غالبيتنا احراراً وا
إذن ما العمل؟ في ثلاثية ويليام غيبسون، فإن معظم المواطنين هم مثلنا، وبعضهم قادرون على البقاء تحت الرادار، لأنهم لا يمتلكون سجلاً رسمياً أما ان تكون المعلومات قد أزيلت او تم تغييرها، او انهم تجنبوا وضع شخص ما، في الدرجة الاولى. ليس غالبيتنا احراراً وان "حريتنا" محدودة للموافقة على امور كثيرة، ربما تؤدي الى الموت.
الحرية من المواد الكيمياوية المسمومة في الهواء وفي المياه؟ الحرية من الفيضانات، والمجاعة والجفاف؟ الحرية من سيادات المتخلفين؟ الحرية من الأدوية التي يصفها الطبيب وهي سيئة وتقتل سنوياً المئات والألوف؟
الأمر ليس بالسيء جداً على كل حال. وكل مافي التكنولوجيا له حافتين وكل إنترنت معقد ومن الاسهل الكشف عن عيوب القوة. ومن الاسهل كتابة طلبٍ ما والاحتجاج .
والحرية مع ذلك لها حافتين. وان الطب الذي قد يستغل ضدك من قبل حكومتك، شهادة ضدك.
في القرون الوسطى، كل واحد من طبقة ما، أراد قلعة، وكل قصر كان فيه سجن، وهو من رموز السلطة. وكان بالامكان الاحتفاظ بساحرات في القصر او القلعة، حتى جاء الوقت لحرقهّن. ومن الممكن ان يكون هناك متنافسان على العرش، وبإمكانك ان تقول انهم من الخونة، ويتم قطع رؤوسهم.
وهكذا مضت الامور لمئات عن الاعوام، حتى العصر الحديث – القرن التاسع عشر. الحرية او غير الحرية، بدأت تأخذ تدريجياً اشكالها الحالية. وغدت الحرية من مزايا القرن الثامن عشر أي عصر "التنوير"، ومع ذلك، كانت الأمور عملياً مغايرة احياناً. إذ كانوا يقاتلون من أجل الحرية، لأنهم لا يدفعون الضرائب للحكومة البريطانية. أما الثورة الفرنسية فقد بدأت من : الحرية، المساواة والأخوة. على الرغم من ذلك، فان الأمر إنتهى بالدموع وقطع رؤوس الالوف، ووصل الأمر الى نابليون نفسه.
ولكن ما أن امسك بايرون بالحرية، لم يعد هناك سبيل للعودة الى الوراء: كانت الحرية فكرة وستبقى هنا. وكان بايرون رومانسياً. وكان الامر بالنسبة لبايرون، حركة ضد الطغيان وشيء من الحرية.
وبايرون نفسه فقد حياته بالقتال مع اليونانيين، في محاولتهم لاستعادة حريتهم السياسية.
مع ان كلمة الحرية كانت منقوشة على الأعوام من قبل الكثيرين من ثوار القرن التاسع عشر والعشرين "حرية العبيد" في جنوبي امريكا، وتحرر امريكا الجنوبية من اسبانيا والتتارمن روسيا، وحرية "العمال" من الرأسماليين وحرية المرأة من نظام الطبقة الراقية، والحرية بعدئذ من النازية والستار الحديدي للشيوعية.
وهناك حرية الكتابة، حرية الطبع، حرية الكلام، كلها أمور ما يزال الانسان يكافح من أجلها في العديد من الدول في العالم، وسقط شهداء كثيرون من أجلها.
ومع ذلك يقول آخرون، ما دام القطار قد تحرك، وانت قد عثرت العمل، فلماذا إثارة الضجة، غن كان عدد قليل من الناس!
ومنذ تواجد الصحافة الحرّة، وبعد قمعها، ومع ان الكتاب المستقلين والمغنين والفنانين قد تم ضغطهم. يبقى هناك امر واحد للدفاع عنك. انه النظام باكمله، الذي يوازن ما بين الطغاة الذين يسيئون إستخدام القوة.
ولكن كل ذلك قد يبدو بعض الشيء يعود الى تقاليد قديمة، إنه يعود الى مرحلة منتصف القرن العشرين: عندما كانت هناك الدكتاتورية ومشاهد عسكرية ضخمة.
ولذلك السبب عادت انظمة السجون، ولم يعد هناك، إصلاح السجناء امراً قائماً، بل يكون احيانا خلق مجرمين جدد.
وفي الولايات المتحدة الاميركية، فان الشباب من السود، ينقلون احياناً الى كندا وسجونها المزدحمة، السنا قادرين على التفكير في وسيلة فعالة اخرى. ومنها مثلاً تعليم أفضل وعمل افضل!
وقد يكون هذا الأمر يخدم السلطة، من اجل خلق بيئة أُناس خائفين.
إن التكنولوجيا الرقمية جعلت الأمور احياناً اسهل للتعامل مع الناس وكأنهم حيوانات بيتية.
ويكون للمواطن آنذاك حماية اجتماعية وبطاقة صحية، وبطاقة الضمان الاجتماعي ورخصة قيادة السيارة وبطاقة البنك، وتحتاج الى "هوية" وهناك مشكلة واحدة في الحكومات الغربية وهم جيدون في حماية حريتهم، مع ذلك هناك بعض الخطأ في منحهم الكثير من الحرية، وهناك قوانين.
وهناك حكاية من حكايات إيسوب تخص الضفادع. إذ انهم اخبروا الآلهة، انهم يريدون ملكاً، وقذفت الآلهة اليهم قطعة من الخشب ليكون حاكمهم. وطفت قطعة الخشب على الماء ولم تفعل شيئاً. واقتنعوا لفترة ما من الزمن بها. ثم بدأوا بالتذمر، لأنهم كانوا يريدون حاكماً فعّالاً. فارسل اليهم لقلقاً قام بحكمهم جميعاً.
إن مشكلتنا مع الحكومات الغربية تتزايد واصبحت مزيجاً من القلق ومن قطعة الخشب. فهي تبحث عن حريتها في التجسس والسيطرة، ولكنهم لا يمنحوا الناس الحرية التي يبغونها.
وعلى الرغم من التكنولوجيا الرقمية، اضفت على حياتنا بعض الارتياح. وقد حان لنا السيطرة ما فقدناه من السيطرة على حياتنا وفرديتنا.
من كتاب "القلب يتحمل كثيراً" تأليف مارغريت آتوود