شكيب كاظممرةً، قرأت في كتاب (نقد النقد) لتزفتان تودوروف أن الشعب الفرنسي من أقل شعوب أوروبا قراءة، فعلقت على ذلك وكتبت: لعل ذلك هو السبب في وعورة أساليب الكتاب الفرنسيين، والنقاد خاصة والذين جاءوا بنظريات النقد الحديثة:
البنوية والتفكيكية وكأنهم يرومون من وراء ذلك إيقاظ هذا القارئ النائم، إنهم يدقون على صفحات الكتب عل هذا القارئ الافتراضي يستيقظ ويعود الى عالم الحرف، عالم الكتاب والمجلة والصحيفة، مثلما حاول الماسيدوني الكسي زوربا الإنسان المدهش المملوء بحب الحياة وبهجتها، النساء، بطل رواية (زوربا) رائعة الكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكي (1885-1957) برقصته ودقه على الأرض بكعب حذائه، إيقاظ النيام وقول ما عجز عن قوله لسانه، كانت رقصته رقصة تحد وعناء وتمرد وغضب على واقع الحياة، وهو ما استلهمه الروائي السوري الكبير سناً وفناً (حنا مينة) في رائعته (الشمس في يوم غائم) حيث كان الخياط يعلم الرواي كلي العلم، الرقص ودق الأرض عل ابنة الكلبة تستيقظ، أرضنا النائمة ليوقظها وستستيقظ في نص روائي جميل متخوم بالمرموزات السياسية اليسارية التي يمررها حنا مينة بانسياب وهدوء.أقول: فإذا كان القارئ الفرنسي قارئاً كسولاً افتراضياً فأين سنجد القارئ العراقي وقد سحقته الأزمات ومتطلبات الحياة المتسارعة؟ أو العربي الذي تضربه الأمية الأبجدية، فضلاً عن الأمية الثقافية، فحتى الذي يعرف القراءة والكتابة عطل هذه النعمة التي جاد بها الزمن عليه وتركها تحت جليد الحياة وصقيعها وصخبها المتسارع المدوم، من دون أن يفكر وقتاً باستخراج هذه النعمة، الهبة والنهل من أفضالها، وقد طغى العزوف عن القراءة حتى على من يمارسون الكتابة وأكثر واحد أباح لي بأنه بارح زمن القراءة، وهذا هو زمان الكتابة!! فقلت له: كتابة من دون قراءة ليست كتابة، بل تسطير حروف على رمل ساف، لا بل طال حتى الجامعة، ولا أقصد طلابها، فهذا أمر مفروغ منه، بل الكثير من أساتذتها!!أستذكر هذا وأنا أطالع شذرات موحية من حياة الشعوب ولقد التقطت إحداها وأنا أقرأ الكتاب المهم (يوميات القراءة: تأملات قارئ شغوف في عام من القراءة) للكاتب الأرجنتيني البرتو مانغويل، ونقله الى العربية المترجم العراقي المغترب عباس المفرجي وأصدرته (دار المدى) سنة 2008، هذه الشذرة الجميلة المحملة بالمعاني التي ترد في ضمن حديث مانغويل عن عالم القراءة والمكتبات في دنيا الله، إذ يذكر أنه سأل أحد أصحاب المكتبات في كوفنت كاردن بلندن، بدافع الفضول والبطر وليس بدافع الرغبة واللهفة على اقتناء كتاب عنوانه (جزيرة دكتور مورو) فسأله البائع عن اسم مؤلفه فذكر له أسمه أج.جي.ويلز، الكاتب الايرلندي الذي أشتهر بكتابه (طعام الآلهة) فسأله هل هو حديث الصدور فأجابه مانغويل، كلا أنه مؤلف قديم ويأتي الجواب الصاعقة الذي يجمل ألف معنى ومعنى والذي يؤكد من جانب آخر تخلفنا وبؤسنا المعرفي وبأننا نحيا خارج حركة التاريخ والجغرافية.البائع، صاحب المكتبة يجيب مانغويل، إذ كان مضى على الكتاب الذي تطلبه شهر واحد فأنه يكون قد نفد من مكتبتنا وهو غير متوفر لدينا الآن، لكن بإمكاننا أن نطلبه إليك!!، وإذ بحث عن عنوان الكتاب في الكومبيوتر ولم يجده، أضاف قائلاً لمانغويل: ربما نفدت نسخه!!بعد أن يكون قد مضى على صدور الكتاب شهر واحد يصبح الكتاب قديماً في نظر صاحب هذه المكتبة اللندنية، فما هو حال مكتباتنا التي لا يكاد يؤمها شخص واحد في اليوم؟ وهذا الأمر لا ينطبق على العراق، بل على كل دول المنطقة أو أغلبها، ويوم مررت على أحدى المكتبات العامرة في مدينة حمص يوم كنت أعيش في قرية من قراها في الضاحية العمالية قرب مصفاة حمص النفطية عامي 2007 و2008، قال لي صاحبها بلهجة حمصية سورية محيية:- ما في حدا بيقرا!!لماذا ما في حدا بيقرا في بلادنا العربية وفي أوروبا والغرب يصبح الكتاب قديماً بعد شهر من زمان صدوره؟ وتطبع رولينغ الروائية البريطانية ملايين النسخ من روايتها (هاري بوتر)، ولا تكاد كتبنا تتجاوز المئات عداً على أصابع اليدين أو اليد الواحدة!! وأغلب المطبوع أو كله ينام في المخازن لعدم وجود من يسوقه بعد إلغاء الشركة العامة للتوزيع والإعلان عندنا؟وبودي أن أنقل صورة جميلة من عالم الكتب والمكتبات التي بقدر ما تبهجنا وتفرحنا لوصول الناس في دنيا الله الواسعة الى هذا المستوى الراقي احترام العلم والكتاب، فأنها تثير في نفوسنا الأسى والألم ونحن نقارنها بحالنا.الدكتور يحيى الجمل أحد الوجوه الثقافية الحقوقية البارزة في مصر يذهب الى هولندة لغرض إكمال دراسته والحصول على درجة الدكتوراه في موضوع (الأعراف) اعتراف الدول ببعضها بعضاً، يتوجه الى مبنى أكاديمية القانون الدولي، وهي تشغل جزءاً جانبياً من محكمة العدل الدولية (قصر السلام) في لاهاي وكانت مكتبة العدل هي مكانه الأثير في البحث عن مصادره ومراجعه الدراسية، وإذ كانت قلة المراجع معضلة فأن كثرتها أشد أعضالاً لأنها توقع الباحث في الحيرة والإرباك وماذا عساه أن يقول أو أن يأتي بجديد من هذه الكثرة من الدراسات والأبحاث؟وإذ كان موضوع الأستاذ يحيى الجمل- وهو ما فصله في كتابه الممتع والمفيد ال
من ظواهر القراءة فـي بلادنا وفـي الغرب
نشر في: 12 يناير, 2010: 07:43 م